المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قالت ورقة "تقدير موقف" جديدة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب هذا الأسبوع، إن التصريحات الأميركية الأخيرة ضد أعمال الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية قد تكون دالة على توجه جديد لدى الإدارة الأميركية نحو تهيئة وتوفير الأرضية والشرعية الدبلوماسيتين ـ الأيديولوجيتين لامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يرسي قاعدة جديدة لتحريك عملية السلام، تكون أقل راحة بالنسبة لإسرائيل.

وأضافت أن المداولات التي تجرى لدى هذه الإدارة تتمحور حول مشروع قرار سيُعرض على مجلس الأمن بين تشرين الثاني 2016 ـ كانون الثاني 2017، في الفترة ما بين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ومراسم تنصيب الرئيس الجديد، وهي الفترة المتحررة من ضغوط الانتخابات ومن الحاجة إلى الأخذ في الحسبان أي اعتبارات انتخابية.

ومما جاء في هذه الورقة التي نُشرت تحت العنوان "هل تعدّ إدارة أوباما الأرضية لاتخاذ قرار جديد في مجلس الأمن في مسألة التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية؟" وأعدّها البروفسور زكي شالوم:

على خلفية الأعمال "الإرهابية" الفلسطينية المكثفة والضغوط الشديدة من جانب أوساط من اليمين السياسي في إسرائيل، يبدو واضحاً توجه حكومة إسرائيل نحو تسريع وتوسيع أعمال البناء في المستوطنات. ورداً على هذا، أصدر الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، يوم 10 تموز الماضي، تعقيباً مفصلاً واستثنائياً للغاية في حدته: "نحن مطلعون على التقارير بشأن نية حكومة إسرائيل الدفع نحو بناء مئات الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإذا ما صحت هذه التقارير، فهي خطوة إضافية جديدة في ما يبدو أنه عملية منهجية متواصلة للاستيلاء على الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وشرعنة البؤر (العشوائية)، وهو ما يقوّض بضورة جذرية فرص تحقيق حل الدولتين". وشدد المتحدث الرسمي على أن الإدارة الأميركية تعارض هذه الخطوات، المتعارضة مع عملية السلام. وأضاف أن الإدارة تشعر بالقلق حيال تخصيص أراض في الضفة الغربية للاستعمال الإسرائيلي الحصري، كما ذكّر ببيان اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط من تموز 2016 والذي أوضح بأنه منذ اتفاقيات أوسلو، ازداد عدد المستوطنين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بأكثر من الضعفين، بل ازداد بثلاثة أضعاف في مناطق ج: يعيش في مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية اليوم 570 ألف مستوطن إسرائيلي على الأقل. وعلاوة على هذا، ثمة أكثر من 100 بؤرة استيطانية "غير قانونية" أقيمت في مناطق ج، من غير تصريح رسمي من حكومة إسرائيل، ما يعني أنها غير قانونية حتى في منظور القانون الإسرائيلي نفسه. وهذه الإجراءات، كما أوضح الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، توجد خطر نشوء وتبلور واقع الدولة الواحدة وتطرح أسئلة جدية حول نيات حكومة إسرائيل للمدى البعيد. وقال إن الإدارة الأميركية تجري "مداولات حادة" في هذه المسألة مع القيادة الإسرائيلية وإنها تناقش سبل مواجهة المعضلات التي تثيرها، مع أعضاء اللجنة الرباعية وأصدقاء آخرين في المنظومة الدولية.
وأضافت الورقة:

يتجاهل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، عادة، بيانات الإدارة الأميركية التي تعبر عن الاحتجاج على مصادقات البناء في المستوطنات، والتي غدت واقعا روتينيا خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في فترة ولاية الرئيس أوباما. لكنه اختار الردّ هذه المرة بأسلوب التحدي والمواجهة: "نحن نعرف الموقف الأميركي"، قال، "فهو ليس جديداً وهو (أيضاً) غير مقبول علينا. فالبناء في القدس وفي معاليه أدوميم، مع كل الاحترام، ليس هو ما سيُبعد فرص السلام. ما يمنع السلام هو، أولا وقبل أي شيء آخر، التحريض المتواصل ضد وجود دولة إسرائيل ضمن حدود آمنة، أيا كانت، وقد آن الأوان لأن تقرّ أمم العالم قاطبة بهذه الحقيقة الأساسية والبسيطة".

وفي 27 تموز 2016، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا إضافيا آخر، أشدّ حدة، ضد أعمال الاستيطان الإسرائيلية. وبعد أن عدّد هذا البيان سلسلة من مصادقات البناء في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، أكد المتحدث جون كيربي أن الإدارة "قلقة جداً" و"تعارض بشدّة" (هذه الأعمال) "المتعارضة مع هدف السلام" (والتي تجسد) "عملية منهجية من تنشيط وتوسيع أعمال الاستيطان التي تقوّض فرص تحقيق حل الدولتين". كما تطرق إلى "العدد المتزايد باستمرار من المباني الفلسطينية التي يتم هدمها في مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تترك عشرات الفلسطينيين، بمن في ذلك الأطفال والنساء، دون سقف أو مأوى". وذكّر الناطق بما أعلنته اللجنة الرباعية أن هذه الأعمال تجسد "عملية متواصلة من الاستيلاء على الأراضي، توسيع المستوطنات، تأهيل وشرعنة البؤر ومنع التطور الفلسطيني، بما ينطوي على خطر تكريس واقع الدولة الواحدة، الاحتلال الأبدي والمواجهة الدائمة". هذه المرة، رد على هذا البيان رئيس بلدية القدس نير بَرْكات. في ردّه، الذي يمكن الافتراض بأنه جاء بالتنسيق مع نتنياهو، رفض بركات الادعاء بأن الحديث يجري عن أعمال استفزازية. فبلدية القدس، قال بركات، تعمل على قاعدة موضوعية لصالح أبناء جميع الديانات في المدينة وتحافظ على حقوق سكانها، كما تفعل الولايات المتحدة بالضبط، تماما.

وفي 10 آب 2016، وجهت إليزابيث ترودو، التي حلت مكان كيربي في منصب الناطق بلسان الخارجية الأميركية، نقداً صريحاً لنية حكومة إسرائيل هدم مبان فلسطينية في بلدة سوسيا. وأكدت الناطقة أن الإدارة الأميركية تنظر بقلق بالغ إلى هذه الإجراءات التي ستسبب ضررا جسيما للفلسطينيين المقيمين في المنطقة. وفي اليوم التالي، أصدرت الناطقة بيانا احتجاجيا آخر حيال الأنباء حول نية حكومة إسرائيل إيجاد حل لمشكلة بؤرة عمونه "غير القانونية" على أساس نقلها إلى مكان آخر، من خلال مصادرة أراض فلسطينية خاصة. وقالت إن هذه الخطوة تعني، عمليا، إنشاء مستوطنة جديدة، وذلك بعد أن قامت الحكومة الإسرائيلية بشرعنة 32 بؤرة استيطانية غير قانونية خلال السنة الماضية، بما يتعارض مع التزامها بحل الدولتين.

وبرأي الورقة فإن هذه التصريحات استهدفت نقل رسالة واضحة لا لبس فيها إلى إسرائيل: إن مسألة المستوطنات، كجزء من الجهود لدفع عملية السلام، ما تزال "تضطرم في أحشاء" الإدارة الأميركية الحالية وستواصل الاشتغال بها حتى انتهاء ولايتها القانونية. ومثل هذا الكلام، بالروح نفسها، قاله وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بعد لقائه مع أبو مازن يوم 29 تموز 2016. وأكثر من هذا، تربط الإدارة الأميركية، في بيانها الاحتجاجي التنديديّ، بين البناء في القدس الشرقية والبناء في المناطق الأخرى من الضفة الغربية، فضلا عن ظاهرة البؤر الاستيطانية (العشوائية) وهي توضح، عمليا، أنها لا تعترف بصحة وشرعية الادعاء الإسرائيلي بشأن "تفاهمات" معها في مسألة حجم ومكان البناء الاستيطاني. وإضافة إلى هذا، توضح تصريحات ممثلي ومسؤولي الإدارة الأميركية أنه حتى التدخل من جانب السلطة القضائية الإسرائيلية في مسألة المستوطنات، لا تمنحها حصانة تجنبها التنديد من جانب الإدارة الأميركية.

وخلصت الورقة إلى أنه ينبغي النظر في دلالات هذه الرسائل من زاوية النظر الأميركية الداخلية ومن منظور العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فالرسائل التي توجهها الإدارة الأميركية في مسألة المستوطنات، وخاصة استعدادها للتحدي والمواجهة ليس في وجه سياسة الحكومة الإسرائيلية فقط، بل في وجه قرارات وإجراءات السلطة القضائية في إسرائيل أيضا، تثير الاستغراب، وخصوصا على خلفية إصدارها وتوجيهها في خضم معركة الانتخابات العاصفة للرئاسة الأميركية. وفوق هذا، قد تدل هذه التصريحات على توجه جديد لدى الإدارة الأميركية نحو تهيئة وتوفير الأرضية والشرعية الدبلوماسيتين ـ الأيديولوجيتين لامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يرسي قاعدة جديدة لتحريك عملية السلام، تكون أقل راحة بالنسبة لإسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات