إن التحدي التربوي الشرقي هو إقناع جيل شاب من الباحثين والمعلمين بالرواية الشرقية الجديدة وبوجوب محاسبة الماضي الصهيوني ووضعه، كعملية انعتاق، في محاكمة تاريخية للصهيونية. ويرى مؤيدو الرواية الشرقية الجديدة أن عمل هؤلاء الباحثين والمعلمين سيثمر عن أبحاث ستشكل جزءا من منهاج التعليم في المؤسسة الأكاديمية وجهاز التعليم كله وتكون أداة في نضال الرواية الشرقية الجديدة ضد التأريخ الصهيوني باسم الشرقيين وباسم آخرين يرون بأنفسهم متضررين من المشروع الصهيوني كجماعة تم إقصاؤها. وتطالب المحاكمة التاريخية بوضع الصهيونية وروايتها العليا في قفص الاتهام التاريخي ومطالبتها بتقديم حساب متواصل عن جرائمها.

وترى الباحثة إيلا شوحط أن غاية المحاسبة التاريخية ليست فقط الحصول على تعويض ثقافي، وإنما من أجل "تصحيح الخط" الذي سيسمح بالاعتراف المطلوب بمشروع التعددية الثقافية كبديل لسياسة "بوتقة الصهر"، التي تتهمها الرواية الجديدة بالأسرلة العنيفة لأجزاء واسعة من المجتمع. ولذلك فإن التعامل مع المحاكمة التاريخية ينبغي أن يشمل كتابة رواية متهِمة وحاذقة. وهذا التعامل يتطلب عدم الاعتذار أمام الكولونيالي الصهيوني الأشكنازي وإنما مطالبته بالنظر إلى ماضيه والاعتراف بذنبه، كجزء من فك الارتباط المطالب بتنفيذه لغرض استكمال المشروع التأريخي الجديد.

وأشار أرييه كيزل إلى أن كتابة تاريخ شرقي جديد وطاهر هو تحد مركزي. وسيكون قسم من هذا التاريخ معزولا عن الصهيونية وعن روايتها المهيمنة، لكن سيكون قسم منه مرتبطا بها، وخاصة من أجل إنتاج الرواية البديلة التي ستشمل عناصر الرواية المتحدية والتي ستكون ضد التأريخ الصهيوني الرسمي.

إضافة إلى ذلك، فإن الرواية الشرقية الجديدة في إسرائيل تسعى لأن تنتج هوية يهودية شرقية – عربية في إسرائيل ومنعزلة عن الهوية الأشكنازية. وهذه الهوية الشرقية – العربية الجديدة ستعمل من أجل تنظيف نفسها من العناصر التي نسبتها الرواية العليا الصهيونية لليهودية الشرقية، وخاصة وصم الشرقيين بنمط حياة تقليدي كصبغة أساسية، ومن اعتبار أن الطابع العربي هو ما قبل حداثي وربط التقدم بالحياة الغربية فقط ووصفها بأنها مضادة للتخلف الشرقي. وتطالب الهوية الجديدة بعناصر متنوعة مثل المكانة والعدالة الاجتماعية والتعامل مع الضعيف والتعددية الثقافية بمفهومها الواسع والذي يشكل مظلة لجماهير كثيرة في إسرائيل، وبضمنهم الأشكناز أيضا، وكل ذلك ينبغي أن ينضوي تحت التزام بالسلام مع المحيط والاندماج في الشرق وليس نفيه وقمعه.

ورأى كيزل أن الهوية الشرقية، وهي نتاج الرواية الشرقية الجديدة، ستصبح الرواية – المظلة للمجموعات السكانية الضعيفة والمستبعدة، والتي تعرفها الرواية الشرقية بأنه يجري التعامل معها بعنصرية وتمييز. وسيكون بالإمكان تحت هذه المظلة ممارسة التعددية الثقافية التي لا يوجد فيها احتمال لتفوق رواية معينة على غيرها. وفي مجال التعليم تطالب الرواية الشرقية بإلغاء الرواية القومية – الصهيونية، التي يصفها كيزل بأنها "العمود الفقري القومي اليهودي الذي بني عليه هيكل مناهج التعليم في مواضيع التاريخ والمدنيات والتوراة والأدب".

كما تطالب الرواية الجديدة بإجراء تغيير جذري في كل هندسة البيئة التعليمية المدرسية، وتغيير برامج الرحلات المدرسية ومضامين سلة الثقافة وتغيير مفهومي للنصوص المدرسية، "وهذه النصوص هي كِلية المجتمع المدني لنقل التراث القومي الصهيوني". وترى الرواية الجديدة أنه ينبغي أن يحل مكان الرواية القومية الصهيونية تحد جديد، وهو تفضيل توجه تربوي يشمل تعدد الروايات ويستمع الطالب الإسرائيلي في إطاره إلى عدد متنوع من القصص عن المجتمعات المختلفة في إسرائيل، اليهودية وغير اليهودية من دون تفضيل قصة قومية على أخرى أو تفضيل اتجاه قومي واحد، المعروف في مناهج التعليم الإسرائيلية باسم "تاريخ شعب إسرائيل". ويهدف تدريس القصص القومية المتعددة إلى إثراء الطلاب ويسمح لهم باختيار هوية بدلا من إملاء هوية واحدة ووحيدة عليه بادعاء أنها تمثل وحدة الشعب.

تأثير واسع

وأوضح كيزل أن تأثير الرواية الشرقية الجديدة على الخطاب العام في إسرائيل، منذ التسعينيات، هو تأثير واسع ويضع تحديا كبيرا. ويجري في إطار هذا التأثير تفكيك "خطاب المعرفة والقوة الحاكمة". وتستقطب الانتباه أصوات وروايات أخرى في إطار نقطة الالتقاء بين ما بعد الصهيونية وما بعد الحداثة. ووفقا لهذا المفهوم، فإن الصهيونية لم تتطور لدرجة وصولها إلى نضوج طبيعي، وإنما تفككت إلى عناصر وروايات عملت على إخفائها وقمعها، كما يرى الباحث النقدي في علم الاجتماع، لورانس سيلبرشطاين.

ووفقا لكيزل فإن "القوس الديمقراطي الشرقي" والرواية الشرقية الجديدة التي وضعها مغروسان في التوجه الما بعد كولونيالي، والذي في إطاره يتم تعريف الشرقيين على أنهم "أقلية" في قلب الحداثة الغربية. ويستند ذلك إلى النظرية الاستشراقية التي وضعها إدوارد سعيد، والتي واصلتها شوحط وطورتها إلى اتجاه تبناه التيار المثقف في "القوس الديمقراطي الشرقي" الذي يتقدمه الباحثان يهودا شنهاف ويوسي يونا وغيرهما. وقد طور هؤلاء هذا الاتجاه من الناحية النظرية ومنحوه أشكالا وعمقا يتعلق بإمكانيات تطور اليهودية الشرقية كموقع واسع الهوامش وغير منغلق وغير تقليدي.

ويأتي ذلك في مواجهة الأيديولوجيا الصهيونية التي سعت إلى نفي التعددية الثقافية السابقة وإخراجها من الواقع الإسرائيلي الجديد وإنتاج رواية جديدة ومؤسسة وراسخة في ذاكرة جماعية مركزية، "انطلاقا من الوعي لتنويع المبنى الاجتماعي للدولة التي أسستها هذه الأيديولوجية، ومن المصلحة بعدم تشكيل خطر على المبنى الثقافي والسياسي في الدولة كما تم بلورته في المجتمع اليهودي في الفترة التي سبقت قيام إسرائيل". ولهذا الغرض "جرى بناء أجهزة هيمنة وأسرلة بموجب النموذج الأميركي، لكنها كانت أكثر تطورا وهمجية، بسبب حقيقة أن حقوق الفرد لم تكن في المركز".

ورأى كيزل أن هدف الرواية الشرقية الجديدة هو إعادة رسم حدود الخطاب الإسرائيلي. وتطالب الرواية بالانفصال عن البرنامج المهيمن في السنوات الأولى لإسرائيل حول الهويات الطائفية التي حملها معهم المهاجرون اليهود القادمون من بلدان مختلفة، وهذه الهويات كانت ثانوية في "بوتقة الصهر".

وأضاف أن "القوس الديمقراطي الشرقي" كان يعتزم بطرح الرواية الجديدة اقتراح بديل "حاذق وطويل الأمد"، يؤدي إلى نشوء تحالف تأثير وقوة ضاغطة في منظومة شبكة الروايات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه إقصاء الرواية العليا الصهيونية، ونزع شرعيتها بسبب انعدام أخلاقيتها المتواصل.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية