"الغاية الأهم للخطاب- استمرار تجاهل الفلسطينيين ومشكلة الاحتلال!"

امتد الخطاب الذي ألقاه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي يوم 3 آذار الحالي وتركز حول إيران والاتفاق المحتمل بينها وبين الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي، لمدة 45 دقيقة ذكر خلالها إيران 107 مرات، وقوطع الخطاب 36 مرة بالتصفيق، بينها 23 مرة وقف الحاضرون فيها على أرجلهم.

لكن باستثناء صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم)، التي تأسست خصيصا لدعم نتنياهو، وهي الأوسع انتشارا لأنها توزع مجانا، فإن الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام الإسرائيلية هاجمت نتنياهو رغم تأييدها لوجوب منع إيران من حيازة قدرة على صنع سلاح نووي.

والخطأ الجسيم الذي ارتكبه نتنياهو بحسب وسائل الإعلام هذه، هو أنه دخل في مواجهة مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وأن خطابه في الكونغرس، الذي جرى تنسيقه مع المعارضة الجمهورية، ومن خلف ظهر البيت الأبيض، عمّق الأزمة أكثر. ورد أوباما بالقول إن نتنياهو لم يأت بجديد ولم يطرح بدائل للمحادثات مع إيران واحتمال التوصل إلى اتفاق معها.

لكن نتنياهو لا يأبه بهذه الأزمة، وفقا للمحللين، لأن هذا الخطاب هو بمثابة "صراع بقاء" سياسي في قمة المؤسسة الإسرائيلية. وجاء هذا الخطاب في اليوم نفسه الذي بدأت فيه الأحزاب المتنافسة في انتخابات الكنيست، التي ستجري يوم الثلاثاء المقبل (17 آذار)، ببث دعايتها الانتخابية في قنوات التلفزيون والإذاعات.

وكرر نتنياهو طوال الخطاب أقوالا أدلى بها في الماضي، حول إيران وبرنامجها النووي.

فهو تحدث عن "وزير فارسي أراد إبادة الشعب اليهودي قبل 2500 عام. واليوم، يقف الشعب اليهودي أمام محاولة زعيم فارسي لتدميره".

وأضاف أن "الزعيم الروحي لإيران، آية الله علي خامنئي، ينشر الكراهية القديمة المعادية للسامية، ويغرد في تويتر أن إسرائيل يجب أن تُباد. ولا يوجد انترنت بحرية في إيران، لكن الفرصة متوفرة دائما لخامنئي للتغريد بالانكليزية وتهديدنا".

ولفتت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن نتنياهو لم يجرؤ على التوسع لدى انتقاده الاتفاق المحتمل مع إيران، لأن الإدارة الأميركية حذرته، قبل الخطاب بيوم واحد، من أنه في حال الكشف عن أسرار أطلعه عليها البيت الأبيض، سيعتبر هذا الأمر "خيانة".

وقال نتنياهو في الكونغرس إنه "على الرغم من أن الاتفاق النهائي لم يوقع بعد، إلا أن هناك وثائق نعرف بشأنها وهي مكشوفة أمام الجمهور. ولا داعي لمعلومات استخباراتية أو لوكالة استخبارات، وبالإمكان العثور عليها في غوغل".

وأضاف أن "الاتفاق يشمل تنازلين مهمين، يبقي لإيران برنامجا نوويا واسعا، وهو يخفف القيود عن هذا البرنامج بعد عشر سنين. وهذه صفقة سيئة لأنها لا تمنع طريق إيران نحو القنبلة. إنها تشق طريق إيران نحو القنبلة".

وكرر نتنياهو القول إن إيران تهدد العالم كله وليس إسرائيل فقط، معتبرا أن إزالة العقوبات عنها يجب أن تتم بعد تنفيذ ثلاثة شروط: "أن توقف إيران عدوانيتها ضد جاراتها في الشرق الأوسط، أن تتوقف عن رعاية الإرهاب في العالم كله وأن تتوقف عن التهديد بالقضاء على إسرائيل".

وأردف أنه "إذا أرادت إيران أن يتعاملوا معها كدولة طبيعية، عليها أن تتصرف كدولة طبيعية. وطوال عام قيل لنا إن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من توقيع اتفاق سيء. وفعلا، هذا اتفاق سيء. والآن يقولون لنا إن البديل لاتفاق هو الحرب. ببساطة هذا ليس صحيحا، والبديل لهذا الاتفاق السيء هو اتفاق أفضل منه. اتفاق أفضل قد لا تحبه إسرائيل وجاراتها، لكن بإمكاننا التعايش معه. إن التاريخ يضعنا أمام مفترق طرق مصيري. وعلينا الاختيار بين طريق تقودنا إلى اتفاق سيء وتقود إلى إيران نووية وحرب، وطريق ثانية تقود إلى اتفاق أفضل وبإمكانه منع إيران نووية وشرق أوسط نووي ومنع النتيجة الرهيبة لهذين الأمرين للإنسانية كلها".

"نتنياهو حرق الجسور الأخيرة التي بقيت لنا في البيت الأبيض"

اعتبر المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، أن ثمة شكا كبيرا في إمكانية التوصل إلى اتفاق بين إيران والدول الكبرى. وأشار إلى أن التقديرات في وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات في إسرائيل هي أن "احتمال التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال هذه الجولة (من المحادثات) ضئيل جدا. وهناك ثمانية مواضيع مركزية مختلف حولها، وتم التقدم في اثنين منها فقط. ولا يوجد تقدم في باقي المواضيع الستة. ومن الصعب جدا التصديق أنه سيكون هناك اختراق في الأيام المعدودة المتبقية. والفرنسيون يعارضون، والألمان غير متحمسين، وعلى الأرجح سيتم تمديد الموعد النهائي (للاتفاق بحلول يوم 24 آذار الجاري). وجميع هذه التفاصيل واضحة ومعروفة لصناع القرار قبل هبوط بنيامين نتنياهو في واشنطن".

وأضاف كسبيت أن "نتنياهو يعرف ذلك أفضل منا جميعا. وهو مطلع ويقرأ تقارير الاستخبارات، ويعلم أن هذه الجولة لن تلد، على ما يبدو، اتفاقا. لكن نتنياهو اكتشف فرصة سياسية نادرة، وهو الأخير الذي سيتنازل عنها. إنه عبقري سياسي وخاصة في كل ما يتعلق بصراع بقائه الشخصي".

ورأى كسبيت أنه "في المدى البعيد، خطاب نتنياهو ألحق ضررا أكثر من الفائدة. لكن في المدى القصير أصاب الهدف. فقد سافر إلى إلقاء خطاب في الكونغرس، متجاهلا التحذيرات، وأهان الرئيس على الملأ، وحرق الجسور الأخيرة التي بقيت لنا في البيت الأبيض. ومع ذلك بعد أسبوع أو عشرة أيام، عندما يعلن الجانبان عن ارفضاض (المحادثات النووية) من دون اتفاق، سيعلن نتنياهو أن هذا تم بفضله".

من جانبه، كتب المراسل السياسي في موقع "واللا" الالكتروني، أمير تيبون، أن الامتحان الوحيد لنجاح نتنياهو هو "إذا تمكن من إقناع عدد كاف من أعضاء مجلس الشيوخ بدعم قانون لإحباط الاتفاق النووي مع إيران. ووفقا لهذا الامتحان، بالإمكان القول صبيحة اليوم التالي للخطاب، إنه على ما يبدو، وعلى الرغم من القدرة الخطابية المقنعة والتصفيق الحماسي وارتفاع شعبيته في الاستطلاعات، إلا أن نتنياهو فشل في مهمته الأساسية".

ولفت تيبون إلى أنه من أجل إحباط اتفاق نووي مع إيران، يتعين على نتنياهو إقناع 15 سيناتورا ديمقراطيا بالانضمام إلى أحد مشاريع القوانين التي غايتها وضع عراقيل تصعب كثيرا على أوباما التوصل إلى اتفاق. والحاجة لإقناع هذا العدد من السيناتورات نابع من أن الرئيس الأميركي يعتزم استخدام حقه بوضع "فيتو" ضد جميع مشاريع القوانين هذه.

وبإمكان أعضاء مجلس الشيوخ إلغاء مفعول هذا "الفيتو" فقط في حال أيد مشاريع القوانين 67 سيناتورا فما فوق. ويوجد في مجلس الشيوخ 52 سيناتورا من الحزب الجمهوري، الذين يتوقع أن يؤيدوا مشاريع القوانين، ولكن من أجل إلغاء مفعول "الفيتو" الرئاسي، يجب أن ينضم إليهم 15 سيناتورا على الأقل من الحزب الديمقراطي، لكن هذا الأمر صعب جدا إذ يصعب عليهم الخروج علنا ضد رئيس من حزبهم، رغم تحفظهم من اتفاق محتمل مع إيران.

واقتبس تيبون أقوال زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بأنها "كمؤيدة قديمة لإسرائيل، كدت أبكي خلال الخطاب. ما هذا الاستخفاف بذكاء الولايات المتحدة، وما هذا الاستعلاء".

ورأى تيبون أن أقوال بيلوسي تعبر عن الشعور السائد بين الديمقراطيين بعد خطاب نتنياهو، وهو مزيج من "الشعور بالإهانة، الغضب، انعدام الثقة".

"لا جدوى من الحوار مع البيت الأبيض"

خلافا للرأي السائد في إسرائيل، وحتى داخل أوساط في حزب الليكود الحاكم، بأن خطاب نتنياهو هدفه كسب تأييد داخلي مع اقتراب انتخابات الكنيست، اعتبر الخبير في الشؤون الأميركية والمحاضر في جامعة حيفا، البروفسور أبراهام بن تسفي، في مقال نشره في صحيفة "يسرائيل هيوم، أنه "من حيث مضمونه ومن حيث المنبر الذي ألقي منه، بالإمكان التأكيد أن جماهير الهدف للخطاب كانت الجمهور الأميركي ومبعوثيه في الكونغرس".

وكتب بن تسفي أن غاية أقوال نتنياهو الحازمة هي توضيح "الدلالات الكارثية" للتوجه نحو اتفاق مع إيران، وذلك "على أمل أن تلقى إنذاراته وتحذيراته آذانا صاغية في الرأي العام، ولكي تؤثر بذلك على مواقف أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، الذين ما زالوا يترددون في الانضمام إلى مبادرات بفرض العقوبات الجديدة على إيران".

وأردف أنه "إذا تحقق ذلك فإن الخطاب يكون قد حقق هدفه الأساس، وهو لجم الإدارة الأميركية، بحيث تضطر إلى إعادة التفكير في مواقفها في عدد من المواضيع الجاري مناقشتها هذه الأيام في جنيف، مثل رفع القيود الاقتصادية والمالية عن النظام الإيراني".

ورأى بن تسفي أنه "على خلفية حقيقة أن إدارة أوباما دخلت إلى المرحلة النهائية للمفاوضات مع إيران، وفيما هي متمسكة بالخطوط العريضة الأساسية للاتفاق الأولي، والاستسلام لتحول إيران إلى دولة عتبة نووية عظمى، وتوجد بحوزتها القدرة التي تسمح لها باختراق سريع نحو القنبلة بعد انتهاء صلاحية نظام المراقبة والقيود (بعد عشر سنوات) وربما قبل ذلك أيضا، لم تكن هناك جدوى من استمرار الحوار حول هذه القضية مع البيت الأبيض بشكله الحالي".

تجاهل الفلسطينيين

في معركة انتخابات الكنيست الحالية ركزت معظم الأحزاب على قضايا اجتماعية، خاصة في أعقاب تقريري مراقب الدولة الإسرائيلية حول مصروفات منازل نتنياهو المبالغ فيها وأزمة السكن الحادة وارتفاع أسعاره بنسبة 55% خلال ست سنوات. وتجاهلت الأحزاب، خاصة الأكبر الليكود و"المعسكر الصهيوني"، الفلسطينيين بالكامل.

ودعت المحللة السياسية في صحيفة "هآرتس"، ريفيت هيخت، إلى عدم التعاون مع نتنياهو في محاولته، من خلال خطابه في الكونغرس، صرف الأنظار عن كافة المشاكل في إسرائيل، والتركيز على "التهديد الإيراني".

ودعت هيخت إلى أنه بدلا من التعاون مع نتنياهو "ينبغي التحدث عن الحروب العبثية التي تنشب هنا كل سنة ونصف السنة وتحصد عبثا حياة آلاف البشر، في إسرائيل والمناطق (المحتلة). وينبغي التحدث عن جرائم القانون الدولي التي ترتكبها إسرائيل، والتي تنتهك حقوق الإنسان لملايين البشر، أولئك الذين معظم الجمهور اليهودي في إسرائيل لم يعد قادرا حتى على تخيلها. وينبغي التحدث عن الحريات الآخذة بالتقلص وعن المخاطر المتزايدة في إسرائيل، ليس ضد الأقليات فقط، كما كان سائدا دائما، وإنما ضد اليساريين ونشطاء حقوق الإنسان والليبراليين، وضد كل من لا يستقيم مع الحكم".

وقالت "هآرتس" في افتتاحيتها غداة الخطاب، إن نتنياهو بخطابه في الكونغرس سجل رقما قياسيا في "الخداع الذي يمارسه المتنافسون في الانتخابات الحالية. فالجميع يتجاهلون التهديد الوجودي الحقيقي على إسرائيل وقدرتها على الوجود ’كدولة يهودية وديمقراطية’، وهو الاحتلال الذي لا ينتهي في المناطق. إن إصرار إسرائيل على السيطرة على ملايين الفلسطينيين مسلوبي حقوق المواطنة في الضفة الغربية، وتوسيع المستوطنات واحتجاز سكان قطاع غزة تحت الحصار، هو الخطر الذي يهدد مستقبل إسرائيل".

وأضافت الصحيفة أنه "خلال سنوات حكم نتنياهو الست تعاظمت عملية تسرب الاحتلال إلى قلب إسرائيل. فالتوتر الداخلي بين اليهود والعرب ازداد، وأحزاب اليمين تتنافس فيما بينها حول دفع قوانين معادية للديمقراطية، غايتها ترسيخ التمييز ضد الأقليات وسلب تعبيرها السياسي. وفي الوقت الذي استعد فيه نتنياهو لخطابه في الكونغرس، هاجم زعران اليمين عضو الكنيست حنين زعبي خلال اجتماع سياسي في رامات غان. وقد كان هذا استمرارا طبيعيا لمشروع قانون القومية ومحاولة طرد زعبي وزملائها من الكنيست، وتجسيدا إضافيا بأن الديمقراطية تواجه صعوبة في أدائها وازدهارها إلى جانب الأبارتهايد والاحتلال العسكري".

وختمت الصحيفة افتتاحيتها بأن "المعركة الانتخابية الحالية تجري كأنها حفلة عيد المساخر (الذي يصادف في هذه الأيام). والأحزاب اختارت وضع أقنعة: إيران، أسعار الشقق، خصومات شخصية. لا أحد يجرؤ على الانشغال بالصراع مع الفلسطينيين، وثمنه الكبير والحاجة إلى إنهائه، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، الذي أهدر فرصة التفات الأنظار التي حصل عليها في الكونغرس ولم يذكر الخطر الحقيقي الماثل على إسرائيل".

ورأى المؤرخ الإسرائيلي والمحاضر في جامعة تل أبيب، الدكتور أفيعاد كلاينبرغ، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه "في الوعي الإسرائيلي لا يزال هناك إيمان وكأن ’الشعب’ منقسم بين كتلة يمين وكتلة يسار. لكن في إسرائيل لم يعد هناك تقسيم كهذا، وذلك يعود بالأساس إلى أن اليسار الصهيوني بات غائبا تقريبا عن الخريطة السياسية".

وأكد كلاينبرغ أن "التقسيم الأكثر دقة هو بين يمين متطرّف ويمين معتدل. وعلى الرغم من الصورة الذاتية بوجود انقسام وانشقاق، إلا أن إسرائيل هي مجتمع يسوده إجماع واسع. وتعتقد غالبية هائلة أن السلام لا يتجانس مع الأمن".

وأضاف أن "التهديد الوجودي على إسرائيل هو ورقة تين يختبئ خلفها مفهوم مسياني يقضي بضم المناطق لأسباب أيديولوجية – اجتماعية، رغم أن إسهام المستوطنات في الأمن معدوم".

وخلص كلاينبرغ إلى أنه "في كل الجلبة الإعلامية (حول خطاب نتنياهو)، نحن مستمرون في تجاهل أمر مركزي واحد، وهو أن التهديد الأكبر الذي نقف أمامه ليس مجرد وجود دولة إسرائيل، وإنما طبيعتها كمجتمع منفتح وعادل"، مشيرا إلى أن سياسيين مثل نتنياهو ورئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، يدفعون قدماً ما وصفه بأنه "مفهوم الأمن المذعور".