المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تشارف الحملة الانتخابية الإسرائيلية على الانتهاء، وهي حملة تغيب عنها الأجندة الواضحة، والقضية المركزية التي تدور حولها الانتخابات.

وهذه ليست أول انتخابات يغيب عنها الصراع الإسرائيلي- العربي، ومجمل القضية الفلسطينية. ولكن هذه أبرز انتخابات يغيب عنها حتى الموضوع الداخلي المركزي، وهناك ما يشبه "طوشة عمومية" إن صح التعبير. وهذا ما يعكس أكثر حالة التخبط السياسي في الشارع الإسرائيلي، وشرذمة الخارطة السياسية، ويؤكد ديمومة حالة عدم الاستقرار السياسي في المرحلة المقبلة.

حينما بادر بنيامين نتنياهو بنفسه إلى حل الكنيست في نهاية تشرين الثاني الماضي، لم يكن ثمة سبب واضح، من طراز الأسباب التي عرفتها الساحة السياسية سابقا، يستوجب الاقدام على هذه الخطوة، ولهذا راح محللون وسياسيون يطرحون افتراضات لدوافع نتنياهو.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على هذا القرار وقبل أسبوع واحد من الانتخابات، ما زال الأمر على حاله، فحتى نتنياهو لم يُفسّر نفسه.

ونستعرض في ما يلي المحطات المركزية التي واجهتها الحملة الانتخابية، ونحاول الإجابة إلى أي مدى تركت كل واحدة من هذه المحطات أثرا على النتيجة النهائية.

بداية قيل إن نتنياهو هرب إلى الانتخابات بافتراض أنه يريد تشريع "قانون الدولة القومية اليهودية"، ولكنه لم يكن أمرا بهذا الإلحاح الذي يستوجب تغيير حكومة، وثبت لاحقا أن هذا الموضوع غائب كليا عن الأجندة الانتخابية لكل الأحزاب. وهذا ليس صدفة، لأن كل الأحزاب الصهيونية متفقة في ما بينها على جوهر "قانون الدولة القومية". ولكن بنوده الأخرى تخلق خلافات حادة تتعلق بعلاقة الدين بالدولة، ومبدأ الديمقراطية، الذي قد يصبح لاحقا تحت تفسيرات القوى الدينية، التي ستصبح بعد بضع سنوات الغالبية المطلقة بين اليهود الإسرائيليين. ولهذا رأت الأحزاب الصهيونية أن من الأفضل استبعاد القانون، منعا لاستفزاز قسم من جمهور مصوتي كل واحد من هذه الأحزاب. وهذا موضوع لم يترك أي أثر على النتيجة الظاهرة حتى الآن.

في النصف الثاني من شهر كانون الأول، ظهرت قضية الفساد الكبرى التي تورطت بها أسماء كثيرة من كبار المسؤولين الحكوميين، وسياسيين، وكلهم على صلة بحزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان. وعلى مدى أسبوعين أو ثلاثة قيل إن هذه القضية ستتسع أكثر، وسيتم الإعلان عن تقديم لوائح اتهام حتى قبل الانتخابات البرلمانية. ولكننا شهدنا لاحقا صمتا مطبقا، وزالت القضية عن جدول الأعمال السياسي والإعلامي، رغم وجود معتقلين، وآخرين قابعين في الحبس المنزلي.

غير أن هذه القضية ساهمت في أن يفقد "يسرائيل بيتينو" نصف مقاعده التي كانت له في الانتخابات السابقة، أي من 11 مقعداً إلى 6 وحتى 5 مقاعد اليوم، وفق استطلاعات الرأي. وحسب التقديرات، فإن الابتعاد عن هذا الحزب جرى بالأساس لأنه بات ضعيفا، ولا يمكن أن يحقق مكاسب لقطاعات كانت تدعمه على مدى سنين.

وبعد أيام على هدوء قضية "يسرائيل بيتينو" بدأت تظهر قضية الفساد في عائلة نتنياهو، والقصد في شكل إدارة حسابات المقر الرسمي لرئيس الحكومة والبيتين الخاصين لنتنياهو اللذين يتلقيان ميزانية، كما المقر الرسمي، من الخزينة العامة. وكشفت التقارير حقائق مدهشة عن جشع نتنياهو وخاصة زوجته سارة. ومورست ضغوط اعلامية، أجبرت المراقب العام للدولة على كشف تقريره عن هذه القضية، من العام 2009 إلى 2013.

ولشديد المفاجأة، فإن استطلاعات الرأي التي ظهرت في أوج تكشف هذه القضية زادت من قوة الليكود بمقعد أو مقعدين، ولكن هذا تراجع لاحقا حينما تراكمت قضيتان أخريان هما أيضا شكلتا محطتين في هذه الحملة الانتخابية.

القضية الأولى، خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي دون التنسيق مع البيت الأبيض، الأمر الذي أغضب إدارة الرئيس باراك أوباما، فنتنياهو اتفق على القاء الخطاب قبل أسبوعين بالضبط من الانتخابات الإسرائيلية، بادعاء أنه يريد لفت نظر الكونغرس إلى الأخطار التي تراها إسرائيل من اتفاق مع إيران حول مشروعها النووي، لا يعبر عما تريده إسرائيل.

لكن في الحقيقة فإن نتنياهو أراد من هذا الخطاب، الذي جاء مخالفا لكل أصول العلاقات الدبلوماسية في العالم، ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول هو الظهور الإعلامي، ويؤكد فيه على أجندته لتغييب القضية الفلسطينية. والثاني، هو أن يثبت لليمين المتشدد أنه "شخصية قوية" قادرة على تحدي البيت الأبيض "دفاعا عن مصالح إسرائيل"، حتى وإن اقتضى الأمر مواجهة مع الرئيس الأميركي ذاته.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن الليكود حصل على مقعد أو اثنين بعد هذا الخطاب، ولكن هذا جاء على حساب اليمين المتطرف، إذ بقي معسكره فاقدا للأغلبية.

أما المرحلة الأخرى وتزامنت أيضا مع قضيتي فساد عائلة نتنياهو، والخطاب في واشنطن، فكانت تقرير مراقب الدولة عن أسباب ارتفاع أسعار البيوت، وهذه القضية حظيت بضجة إعلامية كبرى، خاصة في وسائل الإعلام المناهضة لنتنياهو، مثل صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ولكن لا نستطيع القول إنها ساهمت في إضعاف الليكود.

وهذا المشهد الانتخابي يثبت أنه لم تكن هناك قضية مركزية من شأنها أن تترك أثرا على الساحة الانتخابية، وفي اليوم التالي للانتخابات ستتلاشى الغالبية الساحقة من هذه القضايا، باستثناء قضية فساد حزب ليبرمان، التي لن يكون لها هذا الاثر الكبير مستقبلا، فحزب "يسرائيل بيتينو" مرشح بنسبة متساوية بين أن يكون شريكا في الائتلاف، إذا كانت حكومة يمين صرفة، أو أن يجلس في المعارضة، في حال كانت حكومة وحدة مع "المعسكر الصهيوني". لكن في كل الأحوال هناك ميل للتقدير بأن ليبرمان سيكون حلقة أضعف في الحكومة المقبلة، مقارنة مع مكانته وحجمه في الحكومة الحالية.

تعاني إسرائيل من سلسلة أزمات داخلية حقيقية، وهي لم تأخذ دورا في الحملة الانتخابية، فحتى القضية الاقتصادية الاجتماعية لم يكن لها وزن، رغم كثرة القوائم التي تلوح بها خاصة القائمة الجديدة "كولانو"، التي قائدها موشيه كحلون لم يطرح ما هو أكثر من خارج السياق العام، رغم الهالة التي رسمت من حوله، وكأنه الشخصية "الاجتماعية"، فالتصريحات التي أطلقها تثبت مجددا أنه كغيره يتلقى دعما وتوجيهات من حيتان المال وغابت عن برنامجه الحلول الجذرية للاقتصاد.

ونشير أيضاً إلى أن "المعسكر الصهيوني" لم يطرح بشكل قوي وبارز أوجه الخلاف السياسي مع حزب "الليكود"، بشأن قضية الصراع، بل إن حملته الانتخابية انصاعت أكثر للمرحلة السابق ذكرها، وفي بعضها كانت مبادرة من وسائل إعلام يقف أصحابها بالمرصاد لنتنياهو، الذي شن عليهم حروبا شتى، وخاصة حروبا اقتصادية، لصالح داعمه الأكبر شلدون أدلسون، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" المجنّدة كليا لبنيامين نتنياهو وحملته الانتخابية.

ونستطيع القول منذ الآن إن الساحة الإسرائيلية مقبلة على مرحلة في اتجاهين لا يغيران المضمون، فإما المراوحة في المكان، بمعنى حكومة يمينية متشددة ذات أغلبية هشّة مع إضافة ليست ثابتة، أو حكومة واسعة تضم الحزبين الأكبرين، لكن في الحالتين ستكون حكومة قلاقل حزبية لن تصمد طويلاً، ومن المؤكد أنها لن تستمر أربع سنوات كما علّمت التجربة. وهذا يعني أن هذه الانتخابات التي لم يعرف حتى المبادرون إليها ما سبب التوجه لخوضها، ستبقي إسرائيل في دواماتها الداخلية الحالية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات