المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من المتوقع أن تتواصل في القدس، اليوم الثلاثاء، أعمال اليوم الثاني من "مؤتمر إيلي هوروفيتس للاقتصاد والمجتمع". وهو المؤتمر الذي يعقده "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" منذ 24 سنة (كان يطلق عليه سابقا اسم "منتدى قيساريه")، لكنه أصبح يُعقد منذ سنوات تحت اسمه الجديد بالتعاون مع "صندوق داليا وإيلي هوروفيتس". ويعقد المؤتمر، الذي يهدف إلى "تحسين عمليات اتخاذ القرارات في الحكومة ومؤسساتها، بما ينعكس مباشرة في تحسين جودة ونتاجات السياسات الاقتصادية

والاجتماعية في إسرائيل، لمصلحة الجمهور الواسع كله"، بمشاركة عدد كبير من المسؤولين الحكوميين، من صناع القرارات ومنفذيها، مسؤولين من القطاع العام، رؤساء القطاع التجاري الخاص (التجارة والصناعة والتقنيات الرفيعة ـ الهايتك)، ممثلي النقابات واللجان المهنية والعمالية، ممثلي القطاع الثالث ومسؤولين كبار من مؤسسات التعليم العالي.

إيلي هوروفيتس

إيلي هوروفيتس (1932- 2011) هو من بين أكثر رجال الأعمال الذين كان لهم تأثير عميق وواسع بعيد المدى على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين ومناحي تطورهما، عبر عقود من الزمن. كان ذلك من خلال دمجه، في العام 1976، ثلاث شركات أدوية إسرائيلية في شركة واحدة أطلق عليها اسم "طيفع" ("طبيعة")، تولى منصب مديرها العام ورئيس مجلس إدارتها طوال سنوات عديدة جدا وأصبحت، في عهده، إحدى كبريات الشركات العالمية في مجال تصنيع الأدوية والمستحضرات العلاجية. لكنّ تأثير هوروفيتس المذكور لم يكن ليتحقق لولا مزاوجته بين العمل الاقتصادي ـ التجاري الواسع النطاق جدا، محليا ودوليا، وبين المشاركة المجتمعية التي دفعته إلى التجند بكامل قوته إلى جانب مؤسسات وهيئات عامة وجماهيرية عديدة ومختلفة. فقد انتخب، إلى جانب مسؤولياته في "طيفع"، رئيسا لاتحاد الصناعيين في إسرائيل فكان شريكا في وضع عدد من الخطط الاقتصادية الرسمية التي تبنتها الحكومات الإسرائيلية واعتمدت تطبيقها لحل مشكلات مختلفة في الاقتصاد الإسرائيلي ولضمان تنميته. كما انتخب عضوا في مجلس أمناء "معهد وايزمان" للعلوم؛ عضوا في المجلس الدولي لمركز "بلفر" للعلوم والعلاقات الدولية التابع لجامعة هارفارد الأميركية؛ رئيسا للجنة الإدارية في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (لمدة ست سنوات) ورئيسا لـ"لجنة إسرائيل 2028" التي وضعت توصيات قُدّمت إلى الحكومة الإسرائيلية تحت عنوان "إسرائيل 2028 ـ رؤية واستراتيجية اقتصادية واجتماعية في عالم عولميّ". وتقديرا لنشاطه العام والاجتماعي المتشعب هذا، حصل على عدة جوائز كان أبرزها "جائزة إسرائيل" في العام 2002، تقديرا له على "مشروع حياة ـ مساهمة خاصة للمجتمع والدولة".

تغيرات قد تزعزع استقرار الأنظمة في مختلف أنحاء العالم

يختلف "مؤتمر إيلي هوروفيتس" في سنته الـ 24 عن سابقيه بكونه يشكل هذا العام "شارة الافتتاح لمسيرة متعددة السنوات سيقودها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، بالتعاون مع مسؤولين رفيعين من الحكومة، ممثلي القطاع الخاص، الباحثين في الأكاديميا ومعاهد الأبحاث المختلفة وممثلين عن قطاع المجتمع المدني"، كما أشار مدير "المعهد"، يوحنان بلسنر، مضيفاً أن الهدف من هذه الخطوة هو "خلق حالة من التواصل والاستمرارية، في البحث والتفكير الاستراتيجي المشترك، سعياً إلى الدفع، معاً، نحو تغيير حقيقي وجدي في المجالات التي سنعالجها خلال المؤتمر". وأوضح بلسنر أن "طاقما مصغراً من الباحثين والمسؤولين الكبار سينكب على إعداد توصيات بشأن أفضل الطرق لتعزيز المناعة الاقتصادية ـ الاجتماعية لدولة إسرائيل، استنادا إلى الوثائق التي أنجزتها ووضعتها طواقم العمل والبحث التمهيدية، مسبقاً ـ تلك التي سيتم عرضها ومناقشتها خلال جلسات المؤتمر".

تسير أعمال المؤتمر هذ العام نحو محطتها الأخيرة، الأهم، المتمثلة في "إطلاق مشروع لثلاث سنوات يتمحور في ثلاثة مجالات استراتيجية بعيدة المدى وذات أهمية فائقة، للحكومة وللدولة على حد سواء". وتندرج المجالات الاستراتيجية الثلاثة تحت عنوان الموضوع المركزيّ الذي يحتل موقع الصدارة في المؤتمر هذا العام: "اقتصادان ـ دولة واحدة"؛ وتشمل المجالات الثلاثة 1. "سوق العمل المستقبلية ـ هل سيتسع لنا جميعاً؟"؛ 2. "استعدادات الأطراف المعنية المختلفة لسوق العمل في العام 2030"؛ 3. "تحديات نظم التقاعد في إسرائيل".

ضمن العمل في هذه المجالات، أقيمت "مجموعة عمل"، يشارك فيها ممثلون عن الحكومة ومعاهد أبحاث والقطاع التجاري والصناعي، أنيطت بها مهمة وضع توصيات بشأن الطرق الكفيلة بالاستعداد لمواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات في سوق العمل المستقبلية. وقد أقيمت هذه المجموعة على خلفية الدرس المستفاد مما حصل ويحصل من تطورات في المنطقة خصوصا، وفي العالم عموما، والتوصل إلى قناعة بأنه من غير الاستعداد اللائق والكافي، قد تؤدي التغيرات المتوقعة إلى زعزعة استقرار العديد من الأنظمة، وحتى الديمقراطية منها، في أنحاء مختلفة من العالم، وذلك على خلفية التوقع الذي يتعزز باستمرار بأنّ منظومة ونماذج التشغيل القائمة اليوم ستتعرض لهزات عميقة وبأنّ البطالة ستواصل الاتساع في العالم كله، بما يولد مخاوف جديدة عديدة.

كما أقيمت، أيضا، "مجموعة عمل" أخرى، ممثلة من حيث تركيبتها والجهات المشاركة فيها، أوكلت إليها مهمة وضع توصيات في مجال التقاعد، بغية تعزيز الاستقرار في نظم وأنظمة التقاعد المعمول بها في إسرائيل اليوم.

اقتصادان لا رابط بينهما قطّ!

في العنوان المركزي الذي يحتل موقع الصدارة في أعمال ومداولات وبرامج المؤتمر هذا العام، يوضح رئيس المؤتمر، البروفسور يوجين كندل، أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال في الجامعة العبرية في القدس، دلالات وأبعاد التشخيص بشأن وجود "اقتصادين في دولة واحدة"، وذلك من خلال التمييز بين "اقتصاد متجدِّد" و"اقتصاد مجدِّد". فالأول يحاول توسيع النشاط والحدود التكنولوجية وأنماط العمل المتطورة القائمة في العالم، بينما نجد مقابله وفي موازاته "الجزء الآخر من الاقتصاد". ورغم أن هذا التمييز "ليس مقبولا في الأداء الإحصائي الرسمي في إسرائيل، أو في المقالات الأكاديمية"، كما يقول كندل، إلا إنه "في كل ما يتعلق بإسرائيل، لا مفرّ من هذا التشخيص وهذا التمييز"، كما يؤكد مضيفا: "من لا يتمعن في الاقتصاد الإسرائيلي من خلال هذه العدسة، فستغيب عنه وجهات وسيرورات هامة جدا".

يدعي كندل بأن في إسرائيل "اقتصادين اثنين لا علاقة بينهما قط"! وهما ما أطلق عليهما "الاقتصاد المجدِّد" و"الاقتصاد المتجدد". الأول هو، في أساسه وطبيعته، جزء من الاقتصاد العالمي، لأن الأسواق التي ينشط فيها، منافسيه المركزيين، مصادر تمويله ومرجعياته ومقاييسه ـ كلها، بدون استثناء، موجودة في خارج البلاد. ويمتاز هذا الاقتصاد بإنتاجية عمل مرتفعة جدا، ينتج غنى كبيرا يجتذب إليه استثمارات كبيرة جدا ومواهب عديدة. وفوق هذا، تسري على هذا الاقتصاد أنظمة وأحكام إدارية أقل تشددا، بل أكثر سهولة، حتى أنه يكون معفياً منها تماما في بعض الأحيان. وإلى جانب ذلك كله، الشركات والعمال في هذا الاقتصاد يتمتعون بقدرة عالية جدا على الحركة والتنقل وبصورة إيجابية جدا لدى الشركات والحكومات الأجنبية، التي تبدي استعدادا كبيرا لدفع مبالغ طائلة للشراء منه والاستثمار فيه.

ولهذا كله، وغيره الكثير، لزام أن يبقى هذا الاقتصاد دائم التطور والنمو والاتساع، كي يستطيع المحافظة على مكانته وموقعه وعلى اهتمام الأطراف المختلفة به. وهذا يعني أن الحكومة ملزمة، دائما، بدعم هذا الاقتصاد بشتى السبل والإجراءات.

وفي المقابل، هنالك الاقتصاد المتجدد الذي يمتاز بكل ما هو على العكس تماما من مزايا الاقتصاد المجدد. وفي مركز ذلك: مستوى متدن جدا من الانتاجية ـ أقل من الاقتصاد المجدد بنحو 50%.

في مثل هذا الواقع، فإن "التحدي الأكبر والأهم أمامنا" ـ كما يكتب كندل ـ هو "فحص وإيجاد الطرق التي تمكننا من وقف هذا الانفصال بين هذين الاقتصادين، من أجل مواصلة الإبقاء على مجتمع واحد في إسرائيل"!

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يقترح كندل العمل في اتجاهين متزامنين، متلازمين ومترابطين: الأول ـ زيادة نسبة الأشخاص الذين هم جزء من الاقتصاد المجدد، لمساعدته على الاتساع والنمو والمحافظة على مكانته وموقعه الدوليين. والثاني ـ العمل على تطبيق مصطلح "الاقتصاد المتجدد"، أي أن يكون هذا الاقتصاد متجددا، حقا وفعلا، من أجل تحقيق تحسين جدي وثابت في مستوى إنتاجية العاملين فيه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات