فيما يتجاوز بيانات الحكومة والمعطيات الرسمية التي تختارها وتقدّمها لتعزيز ادعاءاتها عن تحسّن وضع الإسكان في اسرائيل، فإن القراءات النقدية التي لا تكتفي بابتلاع ما يصدر عن طاولات مسؤولي وموظفي المكاتب الحكومية الرسمية، ترسم صورة مغايرة ذات امتدادات في طبيعة النظام الاقتصادي الاسرائيلي الذي يرفع ألوية "السوق الحرة" و"الخصخصة" و"دع الأمور تجري"، تلك المأخوذة من معاجم التوجه الرأسمالي بأشكاله المتشددة. وإحدى القراءات المغايرة التي يصح اعتبارها قراءات استقصائية وليس تقريرية فحسب، يجريها بشكل دؤوب معهد "أدفا"، وهو معهد بحث مستقل يتخصّص في رصد الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية، وفي تحليل السياسة الحكومية إزاء تلك الاتجاهات.

 

في تحديثات على بحث أخير أجراه كل من د. شلومو سفيرسكي ويرون هوفمان- ديشون، يتناول الباحثان دور البنوك الاسرائيلية الكبرى في قطاع الإسكان، ويربطان النتائج والاستخلاصات المستجدة مع بنية الاقتصاد وطابعه، والتي لا ترسم معاً صوراً وردية كتلك التي يتم إنتاجها في المكاتب الحكومية الرسمية!

تشكل البنوك مصدر ائتمانات مالية أساسيا لسوق الاسكان – لمن يشترون الدور، وهم يأخذون بمعظمهم قروضاً إسكانية لغرض شراء الدار، وكذلك للمستثمرين والمقاولين الذين يحتاجون البنوك من أجل تمويل عملية البناء. هذه المكانة المركزية التي تتمتع بها البنوك في كل ما يتعلق بالاعتمادات المالية لسوق الإسكان، البناء والعقارات، ناجمة عن السيرورة المتفاعلة في الاقتصاد الإسرائيلي منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، على الأقل، والتي تراجعت الدولة في إطارها عن الدور المباشر الفاعل الذي تؤديه في سوق الاسكان، وانتقلت عوضاً عنه الى تبني سياسة "السوق الحرة". وقد تجسد هذا في التقليص الحاد لميزانيات الاسكان الحكومية. اما اليوم فإن النشاط المتزايد للبنوك الكبرى في سوق قروض الاسكان وسوق العقارات، يشكل مصدر ربح مركزي لها.


إن الزيادة الأساسية في حجم الاعتمادات المالية للإسكان ولقطاع البناء والعقارات، عام 2016، كمنت في القروض التي تعطيها البنوك للجمهور العام، ويجري تفسير الزيادة بأنها ناتجة عن استمرار مؤشر ارتفاع أسعار السكن وحاجة الجمهور الى تلقي قروض بمبالغ متزايدة باضطراد. وفقاً لمعطيات بنك اسرائيل عام 2016، فعلى الرغم من تراجع حجم صفقات الدور المخصصة للسكن بعض الشيء، قياساً بالعام 2015، فقد حافظ حجم الصفقات على درجة مرتفعة قياساً بسنوات سابقة. بموازاة ذلك، يستمر اتجاه ارتفاع أسعار الدور للسنة التاسعة على التوالي، إذ ارتفعت الأسعار عام 2016 بـ 3ر6% قياساً بالعام الذي سبقه.

هذا الارتفاع في نشاطات تستند الى اعتمادات مالية في سوق الاسكان، الى جانب ارتفاع حجم الفوائد على القروض، أديا الى استمرار صعود أرباح البنوك الصافية نتيجة لضلوعها في سوق الإسكان والعقارات. ووفقاً لتقارير "بنك اسرائيل" التي يورد بحث "أدفا" معطيات منتقاة منها، تجاوزت ارباح البنوك الصافية العامة من اعطاء القروض مبلغ المليار شيكل، بينما كانت أرباحها من اعطاء ائتمانات مالية لنشاطات البناء والعقارات حوالي 3 مليارات شيكل. وهو ارتفاع كبير وفقاً لكل الحسابات.

والمستدلّ مما ورد هنا أن البنوك الكبرى في إسرائيل هي صاحبة مصلحة حقيقية في استمرار الوضع الراهن لأسعار الدور العالية، ليس بسبب مخاوف الاستقرار التي تقلق البنك المركزي، بل أيضاً انطلاقاً من مصالح الربح بمعناها البسيط. ومما يبدو فطالما استمرت اسعار الدور بالارتفاع وطالما تواصل الطلب العالي على الدور، فسيكبر تباعاً ملف الاعتمادات المالية في القروض المعطاة للمقاولين وستواصل البنوك زيادة حجم أرباحها.

"قوى السوق" والحكومة وأزمة السَّكن

في بحث سابق لهما (كانون الثاني 2016) استعرض سفيرسكي وهوفمان- ديشون أثر عقيدة "السوق الحرة" على قطاع الإسكان، وكتبا أن سياسة الإسكان الإسرائيلية تخضع على امتداد ثلاثة عقود، ومنذ مطلع الألفيّة الثالثة خصوصاً، لعقيدة "السوق الحرة"، أي نقل المسؤولية عن البناء السكني والإسكان من الحكومة إلى القطاع الخاص. وهكذا لم تعُد حكومة إسرائيل، خلافاً لنهج رسمي سابق، تُدخِل يديها إلى جيوبها العميقة لتموّل مشاريع البناء في قطاع الإسكان، بل بات التمويل والتنفيذ اليوم بيدَي "السوق الحرة". وقد فاقمت هذه السياسة الفجوات التي كانت قائمة في الماضي على خلفيّة اتّساع الشريحة السكانية التي تجد صعوبة في الحصول على ما يُعرف بـ"شقّة لائقة بسعر معقول" وهي الرؤية التي تزعم وزارة البناء والإسكان أنها تضعها بوصلة لها. في المقابل، أدّت هذه السياسة إلى ظهور شريحة ميسورة ضيّقة نسبيّاً زادت مواردها على نحو كبير. ومع اندلاع أزمة الائتمان المصرفي عام 2008، وجّهت هذه الشريحة موارد كبرى إلى سوق العقارات، ساهمت في ارتفاع أسعار السكن ودفعت إلى نشوء الظاهرة التي دُرج على تسميتها "فقاعة العقارات".

يصف الباحثان ما تعانيه سوق السكن "الحرة" اليوم على بأنه انقسام طبقي جليّ بحيث يمكن اعتبارها سوقَ سكنٍ مجزَّأة، وفقاً لوصف العالِمة الاجتماعية عِدنَه بوناسيتش. فمنذ الحركة الاحتجاجية في صيف 2011 تحتلّ "أزمة السكن" صدارة اهتمامات الجمهور. وشهدت السنوات الماضية تصاعداً متواصلا في أسعار السكن، وفي الوقت نفسه هناك تراجع ملموس في نسبة الشقق التي يسكنها مالكوها، لا سيما بين الشباب، لأن أسعار السكن الباهظة تقف بوجه فرص الشباب في إسرائيل لاقتناء شقة سكن.

يلاحظ البحث أن الحركة الاحتجاجية والنقاش العام ولّدا كلاماً من الحكومة عن العزم على حل "أزمة السكن"، إلا أن كل ذلك لم يُحْدِث تغييرا حقيقيّاً في السياسة ولم يبدّل، حتى اللحظة، نزعة الانخفاض في نسبة الشقق المسكونة بمالكيها، أو غلاء أسعار السكن أو اشتداد العبء الاقتصادي الذي يُنزله اقتناء شقة سكنيّة على السواد الأعظم من اقتصادات البيوت في إسرائيل، لا سيما بين الأزواج الشابة، المشكلة التي دفعت مئات آلاف المحتّجين للخروج إلى الشوارع وولّدت وعودا من وزيرَين للمالية في حكومتي بنيامين نتنياهو، هما يائير لبيد وبعده موشيه كحلون، ظلّت حتى اليوم دون حلول حقيقية.

رداً على السؤال: لماذا تخفق حكومات إسرائيل المتعاقبة، بالرغم من الوعود والتصريحات، في إيجاد حل شامل لأزمة السكن؟ تحاجج الوثيقة بأن أحد الأسباب الرئيسة للوضع يكمن في الانقسام الطبقي الآخذ بالاتّساع في المجتمع الإسرائيلي، ما يؤول إلى نجاح شريحة ميسورة ضيّقة نسبيّاً في إملاء نهج يصبّ في صالحها. ويشمل هذا النهج مختلف المحافل الحكومية ذات الصلة بسوق السكن – وزارة المالية، وزارة البناء والإسكان، بنك إسرائيل، مديرية أراضي إسرائيل والمجالس المحلية. تتردّد كل هذه الجهات في اتّخاذ تدابير من شأنها المسّ بثراء الجمهور الذي ينتسب إلى الشريحة الميسورة، بل وقد لا تفعل شيئاً يمكن أن يؤول إلى ذلك، باعتبار ذلك الثراءِ المحرّكَ الأساسي للاقتصاد الإسرائيلي بأسره، فادّخارات الجمهور المذكور تشكّل مصدر الاستثمارات في الأعمال، والضرائب التي يدفعها هي المصدر الأساس لمدخولات الدولة. فضلا عن ذلك، تمارَس على الحكومة ضغوط من طرف المحافل شديدة الوطأة من القطاع الخاص – البنوك الكبيرة وشركات العقارات التي ترى في نشاط الشريحة الميسورة في سوق العقارات مصدراً مباشراً لزيادة أرباحها.

تلفت الوثيقة كذلك إلى أن السياسة الحكومية الراهنة ليست فقط لا تخدم عموم الناس، بل وتُلحق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي ككل، فالأموال التي كان يمكن استثمارها في نهج تنموي اقتصادي ينشِئ فرص عمل كثيرة ولائقة، يتم تحويلها للاستثمار في سوق السكن. وتقدّر أنه طالما ظلت السياسة الحكومية خاضعة لعقيدة "السوق الحرة"، فسوف تواصل "قوى السوق" الفاعلة في سوق السكن إملاء النهج الذي يخدم مصالح الشريحة الميسورة عوضاً عن منحها الأولوية لاحتياجات غالبية السكان في إسرائيل. ونظراً لهذا الوضع، فإن الرؤية الحكومية "شقة لائقة لكل أسرة بسعر معقول ومناسب" والتي لا تزال وزارة البناء والإسكان تزعم تمسكا بها، سوف تبقى حبرا على ورق.

إسقاطات تحوُّل البيت إلى عقار!

سبق للباحثين أن تعمّقا في جذور أزمة السكن من منظور مفهومي، بمعنى التحوّلات في الثقافة السياسية-الاقتصادية خلف التعاطي مع قضية السكن عموماً، بوصفه حاجة أساسية وحقاً أساس. وبناءً على أن الجدل العام حول مسألة غلاء أسعار المساكن يتمحور حول عاملين أساسيين: الأول، العرض غير الكافي للمساكن على ما يظهر؛ والثاني، انخفاض نسبة فائدة بنك إسرائيل بالأخص في السنوات الأخيرة، ممّا منح الاستثمار في العقارات أفضلية على الاستثمار في الأوراق المالية، يتطرق الباحثان إلى عنصر تراكم الموارد المالية بأيدي القلة، ممّا يجعلهم "قوة السوق" الكبرى. إن الثراء العائلي الآخذ بالازدياد لدى هؤلاء الأشخاص، والذين يطلق عليهم اسم "مستثمرين"، يمكّنهم من شراء جزء كبير من المساكن المعروضة، بالأخص إذا توفرت لهم شروط مريحة أخرى مثل انخفاض نسبة الفائدة. هناك مجموعة أخرى، أصغر بكثير، مشمولة ضمن مجموعة "المستثمرين"، وهي العائلات المدرجة ضمن الشريحة المئوية والألفية العليا، والتي تقوم بشراء مساكن فخمة في مراكز المدن.

من هم "المستثمرون"؟ يتساءل البحث، مجيباً: إن فئة العُشر العليا اليوم هي الشريحة الوحيدة التي يُعتبر دخلها المتاح (من بعد الدفعات الإلزامية) أكبر من مجمل مصروفاتها على الاستهلاك ودفع القرض السكني- بلغ الفارق عام 2013 قيمة 4186 شيكل لدى سائر الشرائح العُشرية، بما في ذلك الشريحة العُشرية التاسعة، كان مجمل المصروفات على الاستهلاك والقرض السكني أكبر من الدخل المتاح. إذ يتأثر حجم الاستثمار في مجال الإسكان من عوامل مختلفة، مثل نسبة الضرائب وحالة سوق الأوراق المالية، إلا أن حجم هذا الاستثمار لم يتغير بشكل ملحوظ، وذلك لأن هناك طبقة بارزة تقف متينةً ما وراء التذبذبات، بحيث تتمتع هذه الطبقة بموارد تمكّنها من لعب دور هام في سوق الإسكان.

وإذا كان المستثمرون العاديون يؤثرون على أسعار المساكن بالأساس من خلال زيادة الطلب، فإن هناك طبقة أخرى من الإسرائيليين الأثرياء جداً، ممّن يشترون مساكن فخمة في مراكز المدن، ويؤثرون على الأسعار بالأساس من خلال إدخال معايير جديدة وباهظة، تتغلغل إلى شركائهم في الشريحة العُشرية العليا، وإلى سائر الإسرائيليين بدرجات متفاوتة. وحتى في مشاريع المباني "الشعبية"، تكون هناك، بالإضافة إلى المساكن التي تزداد مساحتها تدريجياً، إضافات أخرى مثل مدخل كبير، نادي للساكنين ومخازن – ممّا يزيد تكلفة البناء ويرفع السعر النهائي للشقة. إن ظهور أبراج سكنية فخمة في مراكز المدن يؤثر ليس فقط على طابع بناء الشقق الجديدة، إنما يرفع أسعار الشقق القائمة المجاورة لهذه الأبراج الفخمة.

السياسة المطلوبة لخفض أسعار المساكن

لقد تركت سياسة "السوق الحرة" سوق الإسكان خاضعة لمختلف تأثيرات "قوى السوق"، وعلى رأسها "المستثمرون". من هنا، يستنتج كاتبا الوثيقة أن غَمر السوق بالأراضي هو أمر غير كافٍ، إذ سيصل كل عرض جديد لأيدي المستثمرين أولاً. أما السياسة الفعلية المطلوبة لخفض أسعار المساكن فيجب، وفقاً لمركز "أدفا"، أن تشمل الخطوات التالية:

أ‌. زيادة الضرائب المباشرة على دخل الأفراد، بالأخص ممّن يُعتبرون ضمن الطبقات الثرية. وقد أوصى بنك إسرائيل باتخاذ هذه الخطوة منذ سنوات عديدة، بشرط أن تتيح هذه الخطوة إمكانية زيادة الميزانيات الاجتماعية. ونحن نعتقد أن هذه الخطوة ستساعد أيضاً على خفض أسعار الإسكان، سواءً من خلال تقليص ظاهرة المستثمرين، أو من خلال توفير مصدر تمويل من أجل تدخل أوسع من طرف الدولة في سوق الإسكان. قد تكون لهذه الخطوات تأثيرات أكبر من خطوات فرض الضرائب على عقارات معينة، مثل زيادة ضريبة الشراء لمن يشترون شقة ثانية، إذ يمكن تفادي دفع هذه الضريبة من خلال تخطيطات ضريبية و/أو تسجيل الشقة على اسم الأولاد.

ب‌. فرض ضريبة على الثروة، أو على الأقل ضريبة الثروة على الممتلكات العقارية (مثل فكرة "ضريبة العقارات" التي تم اقتراحها من قِبل حزب العمال في بريطانيا، والتي بموجبها يدفع أصحاب العقارات التي تتعدى قيمتها 2 مليون جنيه استرليني ضريبة سنوية تعادل 1% من قيمة الممتلك). وقد يكون لهذه السياسة تأثير عندما لا تنجح سياسة زيادة الضريبة المباشرة في حل المسألة، بالأخص في الواقع الإسرائيلي، بحيث أن معظم مشتري المساكن الفخمة هم يهود أثرياء من خارج البلاد ممّن لا يدفعون ضريبة دخل في إسرائيل.

ج‌. بالإضافة لخطوات الحدّ من الطلب وتقليل تأثير الثراء الجديد على سوق الإسكان، يجب اتخاذ خطوات فعلية لزيادة عرض المساكن بأسعار معقولة، وذلك من خلال خلق "إمكانية عامة" كبيرة - قيام الحكومة ببناء مشاريع بناء ضخمة تشمل مساكن للشراء والإيجار، بجوار مراكز التشغيل، على مستوى عالٍ من التشطيب والصيانة وبأسعار معقولة للجمهور الواسع.

تجليات إخفاق احتجاجات صيف 2011

خلال موجة الاحتجاجات التي شهدتها اسرائيل، وانطلقت من تل أبيب تحديداً، تمت صياغة ما اعتبر "وثيقة مبادئ لسياسة اقتصادية اجتماعية"، وقد حملت برامج ذات سقوف عالية جداً إذ انها سعت الى اقتراح وتقديم "إسرائيل أخرى مغايرة أكتر تساوياً وتسامحاً". وقالت عن نفسها: "في صلب هذه الوثيقة، والمبادئ الأساسية التي ألهمت واضعيها، مبادئ الحريات السياسية، المساواة والعدالة الاجتماعية الاقتصادية. ليس مساواة رسمية فحسب بل مساواة جوهرية، عمادها التضامن المدني بين مجمل مواطني الدولة، والذي يلزمها ليس فقط باحترام جميع مواطنيها، بل أيضاً بالاهتمام باحتياجاتهم الأساسية والوجودية، ليس كمنّة بل كحق. هذه الرؤية تضع نصب أعيُنها احتياجات المواطن بكونه مواطناً وإنساناً يحتاج إلى الخدمات الأساسية التي تتيح توزيعاً عادلاً للثروة الاقتصادية بما يضمن العيش الحرّ الكريم".

استخدمت الوثيقة مفاهيم تقدمية إلى حد بعيد نسبياً، فرأت أن ضرورة التمحوُر "في المساواة والعدالة الاجتماعية، لا تعني تجاهل الاحتياجات ذات الخاصية للمجموعات المختلفة في المجتمع في إسرائيل. ويعي واضعو هذه الوثيقة حقيقة الإهمال التي تعاني منه أوساط مختلفة بدرجات مختلفة، بل ووجود تمييز. وفي حين أنّ جوهر هذه الوثيقة هو العدالة التوزيعية، فإنها لا تتجاهل الحاجة إلى العدل المصحّح في الحالات التي تقتضيه. كما أنّ هذه الوثيقة تستشرف المستقبل بالأساس، ولا تتجاهل الماضي، وهذه الوثيقة تركّز أولاً وأخيراً على المواطن الفرد، لكنها لا تتجاهل الانتماءات القومية والدينية والثقافية المختلفة لكافة مواطني الدولة. وإلى جانب هذا كلّه، تنشد هذه الوثيقة موضعة أهمية الخطاب المدني من أجل التضامن والعدالة الاجتماعية الاقتصادية، في مركز النقاش العام في البلاد".

وقد خلصت فيما يرتبط بالموضوع قيد البحث هنا الى وجوب "ثبيت الحق في المسكن اللائق كما يقرّه القانون الدولي، في قانون و/ أو قانون أساس، وتثبيت حظر التمييز في السكن؛ إضافة جدية للميزانيات المرصودة للإسكان سهل المنال، بما يشمل ذوي الحق في المساكن الشعبية في المدن القائمة وخلق نسيج اجتماعي وخلق التشريعات المطلوبة لذلك؛ تخصيص نسبة مرتفعة من الإسكان سهل المنال في مناطق الطلب المرتفع لذوي أحقية السكن الشعبي؛ إصلاح جهاز الدعم الحكومي في الإيجار والقروض السكنية؛ توجيه موارد لإيجاد حلول ملائمة للسكن في المجتمع العربي، بما في ذلك تجميد هدم البيوت حتى تسوية مخططات البلدات القائمة؛ الاعتراف بالبلدات العربية غير المعترف بها في النقب وتسوية مخططات ملائمة".

كان هناك اتجاهان أساسيان قوّضا تحقيق هذه الآمال، وكلاهما يشكلان الجوهر اليميني الطاغي؛ الأول مشروع الاستيطان الكولونيالي الذي يبتلع مئات الملايين بل أكثر على حساب الإسكان الشعبي مثلا، وكذلك اتجاه الإيمان حدّ العقيدة بـ"السوق الحرة". هذان الاتجاهان يخفضان، إن لم نقل يدمران، ليس السقف العالي المشار اليه اعلاه، بل ما هو اكثر انخفاضاً بكثير.