• المشهد الاقتصادي
  • 2213
  • إيتان أفريئيل
  • برهوم جرايسي

تنفيذا لتعهده خلال الحملة الانتخابية، عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخطوط العريضة للإصلاحات العميقة في مجال الضرائب. وكالعادة، في الاقتصاد كما في الحياة العامة، هناك من يرى في الخطة اجراء ايجابيا، وهناك من يرى فيها مواطن خلل قاسية. كل واحد حسب تفسيراته وتبعاً للكرسي الذي يجلس عليه. فيما يلي بعض النقاط التي توضح لماذا يلعب ترامب ومستشاروه الاقتصاديون بالنار، ولماذا هناك من يؤيد هذا اللعب، بما في ذلك البورصات و"الأسواق".

 إنها هدية للأغنياء، وخاصة لرجال الأعمال وأصحاب الأسهم الكبيرة. هذا جزء من الإصلاحات: تخفيض الضريبة لكل أنواع الشركات من 35% إلى 15%؛ إلغاء الضريبة على الأرباح التي تم تحقيقها خارج الولايات المتحدة الأميركية؛ حملة شروط خاصة، بهدف إعادة رأس مال الشركات العالمية، بما قيمته ترليونات الدولارات؛ تخفيض الضريبة على أرباح البورصات؛ إلغاء الضريبة على الورثة، ورفع سقف الاعفاء الضريبي إلى 24 ألف دولار سنويا؛ تقليص عدد درجات الضريبة، وإلغاء سلسلة من الاعفاءات، ومن المصاريف التي تعترف بها الضريبة كمصاريف معفية.

قبل الولوج في النقاش المبدئي حول الانعكاسات الاقتصادية لهذه الخطة، من الواضح بالطبع أن الأغنياء، أصحاب الشركات، هم الرابحون الفوريون المضمونون. فدونالد ترامب وعائلته و500 شركة تحت سيطرته سيتمتعون جدا من الخطة الجديدة، ومن المتوقع أن يزيدوا أرباحهم بعشرات ملايين الدولارات سنويا.

وحسب ما هو ظاهر، ثمة في الخطة ما هو إيجابي للشرائح الوسطى والفقيرة، أيضا، مثل رفع سقف الإعفاء الضريبي السنوي. ولكن بتحليل أولي للخطوط العريضة، يظهر أن المستفيدين الأكبر هم: الشركات وأصحاب رأس المال والمستقلون الأغنياء. صحيفة "نيويورك تايمز" قالت "إنها ليست خطة، بل هي سرقة"، على الرغم من أن الكثير من قارئي هذه الصحيفة سيستفيدون من هذه الخطة.

في هذه المرحلة، لا يمكن وصف الهيكلية التي عرضها ترامب بأنها "خطة"، وذلك لسببين. أولاً، لأن الأمر، حتى الآن، ليس أكثر من مجرد إعلان نوايا. كل هذا مكتوب على ورقة واحدة، وحتى أنها ليست مكثفة على وجه خاص. وحينما يتحدثون عن الضرائب، يجب أن نتذكر أن الشيطان موجود في التفاصيل الصغيرة. فكل صيغة مهمة، وكل وجهة نظر هي ذات أهمية، لأنه منذ اللحظة الأولى التي تتحول فيها هذه الخطة إلى قانون، سينهال مئات آلاف مراقبي الحسابات عليها، ليبحثوا عن أية ثغرة وأي مخرج من أجل تقليص الضرائب عن زبائنهم.

خلافا للميزانية، الدول لا تغير أنظمتها الضريبية كل عام، وإنما مرة كل عدة سنين. المرّة الأخيرة التي تم فيها تغيير النظام الضريبي الأميركي، بالشكل الذي يعرضه ترامب، كانت في العام 1986، أي قبل ما يزيد عن 30 عاما. وفي الحالة التي أمامنا، لا يزال الكثير من التفاصيل غير واضح، أو غير معلن، ولذا فلا أحد يعرف كيف ستبدو الخطة في نهاية المطاف.

ثانيا، حتى لو كانت كل التفاصيل معروضة ومعروفة، فلا أحد يعرف كيف ستبدو مع انتهاء العملية السياسية، التي يجب عليها اجتيازها في الكونغرس الأميركي. هنالك في الخطة مشكلة أساسية تكمن في مصادرها. أضف إلى ذلك أن أصحاب المصالح سينهالون على الخطة لتحقيق المزيد من المكاسب. سيكونون، كلهم، معنيين بإضافات وتغييرات تخدم مصالحهم.

لا توجد مصادر مالية

وزير المالية الأميركي، ستيف منوتشين، ومستشار دونالد ترامب الاقتصادي، غاري كوهين، كلاهما من أصحاب الملايين، وكانا مساهمين في بنك الاستثمارات غولدمان ساكس. لم يوضحا ما هي مصادر التمويل التي ستسد العجز الناشئ عن تقليص المداخيل من الضرائب، والتي تقدر بعدة آلاف من المليارات في السنوات العشر المقبلة، بل اكتفيا بالادعاء بأن تخفيض الضرائب سيشجع الاقتصاد على النمو بوتيرة 3% وأكثر سنويا وأن أرباح الجميع ستكبر، بينما ستكبر المداخيل من الضريبة في المقابل (من خلال تدفق كميات أكبر من المال على السوق)، وسيتم بالتالي سدّ العجز في الميزانية، تلقائيا.

لكن هذا الادعاء ليس صحيحا. فكل خبراء الاقتصاد يعرفون أن ليست هنالك خطة يمكنها تحريك الاقتصاد بهذا القدر. ومن شبه المؤكد أن هذه التقليصات ستزيد العجز في الميزانية العامة، وستزيد بالتالي من الديون على الحكومة، وهي ديون كبيرة أصلا، لكنها ستصل إلى مستويات لا يستطيع أحد تخيلها، كما أن لا أحد يعرف كيف يمكن ضمان استمرار الخدمات الاجتماعية التي تقدَّم للجمهور اليوم.

وعلى الرغم من أن الخطة لم تتبلور بعد، إلا أن أصحاب المداخيل العالية من الرواتب قد بدأوا يفكرون، منذ الآن، في تسجيل أنفسهم كشركات محدودة الضمان، من أجل الاستفادة من التخفيض الضريبي الذي ستحظى به الشركات، لتصبح نسبة الضريبة الأقصى 15%، بدلا من 40%، كالتي يدفعها أصحاب الرواتب العالية. وهذا يشبه ما يسمى إسرائيليا "شركات المحفظة"، أي أصحاب المهن الحرة (مثل المهن الأكاديمية) الذين يسجلون أنفسهم كشركات، ويصدرون فواتير مقابل مداخيلهم، بدلا من تلقيهم الرواتب.

توقع ارتفاع قيمة الدولار

الخطة التي يعرضها ترامب من المتوقع أن تنعكس إيجابا على الأسواق، لدى دخولها إلى حيز التنفيذ. فالبورصات تتأثر من ارتفاع أرباح الشركات وهذه الأرباح من شأنها أن ترتفع في حال تم تخفيض الضرائب، وبالتالي قد ترتفع قيمة الدولار أمام العملات العالمية، بعد سنوات من التراجع، وهو ما يعود إلى عاملين اثنين:

أولا، أن الخطة الضريبية تحاول تشجيع الشركات الأميركية على إعادة ترليونات الدولارات من الأرباح التي بقيت خارج الولايات المتحدة بدافع التهرب الضريبي، تماما كما جرى في قضية أرباح الشركات الإسرائيلية التي بقيت محتجزة في الخارج. وإذا تم سحب هذه الترليونات من البنوك خارج الولايات المتحدة، وهي المستثمرة بعدد من العملات، وتمت إعادتها إلى الولايات المتحدة بالدولارات، فستسجل قيمة الدولار قفزة كبيرة أمام العملات العالمية.

ثانيا، إذا ما نشأ عجز في الميزانية الأميركية العامة، فستضطر الحكومة إلى إصدار سندات دين إضافية، وهذا ما سيدفع الفائدة البنكية الأميركية إلى الأعلى، مما قد يجذب مستثمرين لتوظيف أموالهم في الأوراق المالية، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على العملة الأميركية.

ونشير إلى أنه لا علاقة بين قيمة الدولار وبين مستوى معيشة 90% من الجمهور الذين هم ليسوا أغنياء، وهذا صحيح في إسرائيل أيضا. ولكن هذا سيقود، في المقابل، إلى تعمق الفجوات الاجتماعية بصورة كببيرة.

محظور على إسرائيل

من المتوقع أن نسمع في إسرائيل في الأسابيع المقبلة أصواتا تؤيد خطة ترامب، وتقترح تبني أجزاء منها. سيقولون لنا، مثلا، إن أصحاب الشركات الإسرائيلية سيهربون إلى الولايات المتحدة الأميركية كي يستفيدوا من الشروط الضريبية الجديدة، ولهذا يجب تخفيض الضرائب المفروضة على الشركات وأصحاب المداخيل العالية، في إسرائيل أيضا. وسيقولون لنا إن التخفيض الضريبي لأولئك الذين يخلقون أماكن عمل هي الصيغة السحرية التي تحفز النمو الاقتصادي، في إسرائيل أيضا. وسيروون لنا إنه حتى أميركا ألغت ضريبة الوراثة، ولهذا يجب إلغاء هذه الفكرة الآخذة في التبلور في إسرائيل الآن، كليا (بقصد فرض ضريبة على الورثة).

لكن ظاهرة اللامساواة، في إسرائيل أيضا، هي من الأعلى في العالم الغربي، ولكنها أقل بقليل عما هي عليه في الولايات المتحدة. كذلك فإن نجاعة وانتاجية العمل لدينا ضعيفة، ومستوى التحصيل العلمي المدرسي سيء، بالمقارنة مع دول العالم المتطورة، والصرف المالي على الصحة هو من الأدنى. وإذا ما اتبعنا الطريق الأميركي، فستتسع ظاهرة اللا مساواة وستتدهور الخدمات الاجتماعية أكثر، وسنواجه حالة رهيبة من البؤس الاجتماعي، فهذا هذا ما نريده؟