أشارت عدة تقارير صدرت في الأيام الأخيرة، إلى أن البنوك الإسرائيلية تستقوي على الضعفاء الذين يطلبون قروضا لديها، وتفرض عليهم نسب فوائد عالية جدا، مقارنة مع الفائدة الأساسية التي يطرحها بنك إسرائيل المركزي، في حين أنها تقدم تسهيلات لحيتان مال، خاصة أولئك الذين لا يستطيعون لاحقا تسديد قروضهم، ويتركون البنوك مع خسائر. وهذه الظاهرة تجعل الضعفاء عرضة للسوق السوداء، التي تسيطر عليها عائلات العالم السفلي بفوائد تصل أحيانا إلى 150%، وهذا أكثر بـ 15 ضعفا من الفائدة القصوى على القروض البنكية.

وتصدر هذه التقارير بالتزامن مع أبحاث في لجان الكنيست حول مشروع قانون من شأنه أن يفرض قيودا على سوق الفوائد البنكية، في حين تطالب البنوك بتخفيف هذه القيود. ويشهد الاقتصاد الإسرائيلي منذ عامين فائدة بنكية أساسية صفرية، 1ر0%، على ضوء ضعف وتيرة النمو الاقتصادي. وهذه الفائدة تنعكس مباشرة على فوائد الإيداعات والتوفيرات المالية، غير المرتبطة بأسواق المال، إذ تتراوح الفائدة السنوية على الفائدة البنكية ما بين نصف بالمائة، وحتى 5ر2% في "أحسن الأحوال"، ما يدفع أصحاب حسابات التوفير نحو خيار التوفيرات المرتبطة بأسواق المال، ما يعني المراهنة بأموالهم، التي قد تحقق لهم فوائد أكبر، ولكن في المقابل قد يكونون عرضة لخسائر في رأس مال التوفير، علما أن القانون يفرض ضريبة بنسبة 25% على أرباح التوفيرات من الفوائد وأسواق المال.

أما الفوائد على القروض، فإن بنك إسرائيل يسمح للبنوك بجباية فوائد حتى 8% سنويا، تضاف إلى الفائدة الأساسية (برايم) بنسبة 6ر1%، ما يعني أن الفائدة القصوى تصل سنويا إلى 6ر9%. إلا أن البنوك تفرض فوائد تصل إلى 16%، حينما يكون الحديث عن تسديد القروض المستعصية، أو فقط الاقساط التي لم يتم تسديدها، ما يضع المدينين أمام صعوبات أشد في تسديد كامل القروض، خاصة حينما يكون الحاصلون على القروض هم من المواطنين الضعفاء اقتصاديا.

وحسب تقرير بنك إسرائيل المركزي، فإن حجم القروض البنكية المباشرة، عدا القروض الاسكانية، بلغ في العام الماضي 2016 حوالي 188 مليار شيكل، وهو ما يعادل 56 مليار دولار، بينما معدل الفائدة الاجمالية بلغ 3ر8%. كما أن 34% من هذه القروض، بلغت نسبة الفائدة عليها 6ر9% وهي الفائدة القصوى المسموح بها في البنوك التجارية، في حين أن الفائدة على القروض الاسكانية تقل عن 4% سنويا. ويقول التقرير إن حجم القروض التي فرضت عليها الفائدة الاستثنائية بلغ 3ر4 مليار شيكل، (16ر1 مليار دولار).

الفقراء ضحايا السوق السوداء

وكان تقرير سابق لوزارة العدل الإسرائيلية قد أشار إلى أن السوق السوداء هي عنوان القروض الوحيد للفئات الضعيفة، أولئك الذين لم تستوعبهم البنوك، أو خرجوا منها مضطرين. ويجد المدينون الضعفاء أنفسهم في سوق من دون رقابة على القروض التي يحصلون عليها. فصحيح أنه يوجد قانون ينظم مسألة الفائدة القصوى التي تستطيع السوق السوداء جبايتها، ولكن في ظل عدم رقابة على السوق، فإن القانون لا يطبق اطلاقا. فمثلا في حين أن القانون يقول إن الفائدة القصوى التي يمكن جبايتها 6ر9% بالمجمل، والفائدة الاستثنائية على القروض المستعصية تصل إلى 16%، فإنه حسب التقديرات تصل الفائدة الفعلية في السوق السوداء إلى ما بين 100% إلى 150%.

كذلك فإن السلطات لم تلاحظ الممارسات المرفوضة، التي يستخدمها أصحاب السوق السوداء من أجل جباية القروض، ضد من يستصعبون تسديد الأقساط، بفائدة 150%. والممارسات المرفوضة تتضمن أيضا التهديد بالعنف.

ويؤكد تقرير وزارة العدل "أن الوضع القائم في السوق السوداء، وخاصة الأساليب المرفوضة، تجعل المدينين من دون حماية، ولا تفعل الدولة شيئا للدفاع الضروري عن المدينين"، بينما الأقوياء يحظون بمراقبة وثيقة من أجهزة الدولة على البنوك.

ويدعو طاقم وزارة العدل إلى تصحيح هذا الوضع الرهيب، من خلال اقامة قسم جديد في وزارة المالية للرقابة على السوق السوداء، أيضا في ما يتعلق بالجانب الجنائي في هذه الظاهرة، وقد التزمت وزارة المالية بالعمل على تطبيق هذه التوصية، وسيكون على الأحزاب المنافسة في الانتخابات دعم هذه التوصية، إذا كان في نيتها الدفاع عن الناس المستضعفة.

قدرة أثرياء على تسديد الديون

وقد أصدر بنك إسرائيل المركزي في الأسبوع الماضي تقريرا جديدا أشار فيه إلى أن البنوك التجارية لم تقيّم بشكل جيد قدرة حيتان مال كبار على تسديد القروض الضخمة التي حصلوا عليها في سنوات سابقة، وعجزوا عن الايفاء بالتزاماتهم. وهذه واحدة من أكثر القضايا العاصفة في عالم الاقتصاد، نظرا للتسهيلات الضخمة التي حصل عليها حيتان المال من البنوك، ومن شركات التأمين، وقسم منهم تورط بخسائر تقدر بالمليارات، دون أن تكون لديهم القدرة على تسديد الديون.

وتزايدت في السنوات الأخيرة القضايا التي ظهر فيها حيتان مال، طالما لعبوا دورا مركزيا في الاقتصاد الإسرائيلي، وهم جالسون على كرسي الاتهام، في قضايا مالية متعددة، وفي صلبها الحصول على قروض مالية كبيرة من البنوك، أو من صناديق التقاعد لدى شركات التأمين الكبرى، وأيضا خداع رأس المال. وفي العديد من الحالات، كان يظهر أن حيتان مال كبار، تقدر ثروات كل واحد منهم بمليارات الدولارات، كانوا يعجزون عن تسديد القروض، ليطالبوا البنوك بإجراء تخفيضات لهم بالفوائد، بموجب المصطلح الذي انتشر في السنوات الأخيرة- "حلاقة".

وفي أحيان ليست قليلة، كانت تتدخل السلطات المالية دعما لحيتان المال في مطلب "الحلاقة"، منعا لانهيار استثماراتهم في الاقتصاد، وانعكاسات الانهيار على السوق. ومع كثرة هذه الظواهر، أظهر بنك إسرائيل تقريرا سعى فيه إلى شرح مسببات سقوط البنوك في ورطة أمام حيتان المال الاشكاليين.

ويقول البنك إن حجم الاعتمادات الكلي الذي تقدمه البنوك للجمهور العام يبلغ في هذه المرحلة 940 مليار شيكل (حوالي 252 مليار دولار) بما يشمل القروض الاسكانية، وأن 5% من حجم هذه الاعتمادات يتجه إلى حيتان المال، ما يعني قرابة 6ر12 مليار دولار.

ومن أكبر النماذج لوضعية القروض الاشكالية لحيتان المال، قضية اليعازر فيشمان، الذي كان ذات يوم من أكبر حيتان المال الإسرائيليين، وفي السنوات الأخيرة، استثمر بنسبة كبيرة من ثروته في الاقتصاد الروسي، حيث تكبد خسائر فادحة، انعكست مباشرة على مجمل ثروته، وهو الآن خاضع لإجراءات إعلان افلاسه أمام المحاكم الإسرائيلية.

وحسب التقارير، فإن حجم القروض التي حصل عليها فيشمان من البنوك الإسرائيلية بلغ 45ر4 مليار شيكل، ما يقارب 2ر1مليار دولار (بحسب سعر الصرف الحالي)، إلا أنه أعاد لبنوك 225% فقط من هذه القروض، بمعنى حوالي 268 مليون دولار، فيما الباقي ستكون في عداد القروض المستعصية. وقد تحصل البنوك على جزء من هذه القروض، بعد تصفية كافة أملاك فيشمان واستثماراته، بموجب إجراءات الإفلاس. وأكثر البنوك تضررا كان بنك "هبوعليم" الذي قدم لفيشمان قروضا بقيمة 8ر1 مليار شيكل (486 مليون دولار)، يليه بنك "ليئومي"- 7ر1 مليار شيكل (459 مليون دولار)، ثم بنك "ديسكونت"- حوالي 108 ملايين دولار، وبنك "مركنتيل" التابع هو أيضا لبنك "ديسكونت"- 6ر75 مليون دولار، وبنك "مزراحي طفاحوت"- في حدود 73 مليون دولار.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, دورا