سجّل معدل الناتج السنوي للفرد في إسرائيل حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري ذروة غير مسبوقة، بوصوله إلى ما يلامس 37 ألف دولار، في حين أن توقعات النمو ارتفعت هي أيضا إلى ما بين 8ر2% وحتى 3%، بدلا من توقعات كانت أقرب إلى الركود الاقتصادي – 4ر2%.

وتواصل خزينة الضرائب تسجيل فائض، في حين أن العجز في الموازنة العامة في الأشهر التسعة الأولى بلغ 36ر0%، بينما التخطيط للعام كله هو عجز بنسبة 8ر2%.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية موطي باسوك، إن أول تقرير عن النمو الاقتصادي عن الربع الأول من هذا العام، أشار إلى أن النمو ارتفع بنسبة 8ر0%، وقد دبّ الهلع في كافة الأوساط الاقتصادية، وفقط قلّة توقعت أن الأوضاع ستتحسن لاحقا. ولكن بعد وقت ليس طويلا، تبين أن حسابات النمو كانت خاطئة بفجوة هائلة، بنسبة الثلثين، ليتبين أن النمو ارتفع في الربع الأول بنسبة 4ر2%، ليتبعه نمو أعلى في الربع الثاني بنسبة 3ر4%، وفي النصف الأول ككل ارتفع النمو بنسبة 2ر3%، وهذا ما دفع بنك إسرائيل المركزي، ووزارة المالية، ومن ثم صندوق النقد الدولي، إلى رفع توقعاتهم من 4ر2%، إلى 8ر2% وحتى إلى ما يلامس 3%، كما تم رفع تقديرات النمو للعام المقبل 2017، إلى أكثر من 3%.

وهذه المعطيات تعني أن معدل الناتج للفرد في إسرائيل قد بلغ في النصف الأول من العام الجاري 36925 دولارا، وهو يُعد ذروة. ولكن ما لم يشر له تقرير الصحيفة، هو أن معدل صرف الدولار حاليا- 8ر3 شيكل- أقل بحوالي 4ر2%، عن معدل صرفه في العام الماضي 2015، ما يعني أن قسما من الزيادة الحاصلة في معدل الناتج، يعود أيضا إلى تراجع قيمة صرف الدولار أمام الشيكل في العام الجاري 2016.

وبموجب هذه المعطيات، فإن مستوى المعيشة في إسرائيل ارتفع في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 1ر5%. ويقول مكتب الاحصاء المركزي إن ارتفاع النمو في الناتج العام يعكس ارتفاعا في الاستهلاك الفردي بنسبة 9ر9% في الربع الثاني من العام الجاري، وارتفاع الصرف العام بنسبة 6ر8% في الفترة ذاتها. وينضم إلى هذه المعطيات أيضا معدل بطالة في حدود 9ر4%.
وأحد الأمور البارزة في آخر المعطيات الاقتصادية، هو جباية الضرائب التي سجلت هي أيضا هذا العام ذروة غير مسبوقة.

ففي الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بلغ حجم المداخيل من الضرائب 216 مليار شيكل، وهو ما يعادل 8ر56 مليار دولار، وهذا أعلى بنسبة 2ر5% عما كان في ذات الفترة من العام الماضي 2015. وحتى الآن يجري الحديث عن فائض يقدر بحوالي 6 مليارات شيكل، وهذا ما يعادل 85ر1 مليار دولار. وكانت سلطة الضرائب قد رفعت توقعاتها لجباية هذا العام إلى 5ر282 مليار شيكل، وهو ما يعادل 3ر74 مليار دولار.

وتقول وزارة المالية إنه في السنوات الأخيرة تسجل مداخيل الضرائب زيادة سنوية تتراوح ما بين 6% إلى 7%. وتعزو الوزارة الزيادة الحاصلة في هذا العام إلى ثلاثة أسباب مركزية، الارتفاع المتواصل في بيع البيوت، والزيادة غير المسبوقة في عدد السيارات الجديدة التي تباع يوميا، والارتفاع في معدل الرواتب.

ويضاف إلى كل هذا أن الصرف الحكومي حتى نهاية الشهر التاسع من العام الجاري، بمعنى خلال 75% من العام، أقل بكثير مما هو مخطط له، على صعيد العجز المالي. وحتى نهاية الربع الثالث، بلغ العجز في الموازنة العامة بالقيمة المالية، ما يزيد بقليل عن 6 مليارات شيكل، بينما التخطيط الذي أعدت على اساسه الموازنة العامة للعام الجاري 35 مليارا، وهو ما كان سيشكل عجزا بنسبة 8ر2% من حجم الناتج العام.

بمعنى آخر، يقول التقرير إن العجز حتى نهاية الربع الثالث كان يجب أن يصل إلى 1ر2% من حجم الناتج العام، ولكن على ارض الواقع فإن العجز كان 36ر0%.

ويقول باسوك إن انخفاض الصرف وبالتالي العجز، من جهة، والفائض في خزينة الضرائب، من جهة أخرى، سيخلقان فائضا ضخما، وستعمل الحكومة على صرف الغالبية الساحقة منه حتى نهاية العام الجاري، والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين سيتجه الفائض؟.

وحسب باسوك، فإن هذه المعطيات الايجابية لا تفسر تقديرات وزارة المالية بأن تكون الجباية في العام المقبل 2017 بحوالي 290 مليار شيكل، وفي العام 2018 بما يزيد بقليل عن 305 مليارات شيكل. ولكن "جرت العادة" في المؤسسة الاقتصادية الإسرائيلية، على تقليل التقديرات المستقبلية، بالذات في فترة اعداد واقرار الموازنة العامة، كما يجري في هذه الفترة، كي لا تكون هناك مطالب زائدة من أعضاء الكنيست وكتلهم، لزيادة الصرف في نواح متعددة.

"انقلاب" في الصادرات

ويقول تقرير آخر لمكتب الاحصاء المركزي إن صادرات البضائع والخدمات، بمعنى اجمالي الصادرات، سجلت في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 7ر7% بمعدل سنوي، وهذا يُعد انقلابا في تقارير الصادرات التي ظهرت في الأشهر الأخيرة، والتي تحدثت عن تراجعات كبيرة في صادرات البضائع، في حين أن الارتفاع الحاصل في صادرات الخدمات يبقي اجمالي الصادرات بارتفاع طفيف. ولكن تقرير مكتب الاحصاء الأخير، يدل على أن صادرات البضائع سجلت هي أيضا ارتفاعا طفيفا، بنسبة 5ر1%، ولكن هذا يبقى من ناحية محللين إسرائيليين أفضل من تسجيل تراجعات.

ويقول التقرير إن اجمالي صادرات البضائع والخدمات معا، سجل في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 7ر7%، بعد أن سجلت تلك الصادرات في النصف الثاني من العام الماضي 2015 تراجعا بنسبة 9ر3%. وفي التفصيل يظهر أن صادرات الخدمات وحدها سجلت في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا كبيرا بنسبة 6ر9%، وكما ذكر فإن صادرات البضائع وحدها سجلت ارتفاعا بنسبة 5ر1%، بعد تراجعها على مدى العامين السابقين.

ويظهر من تفاصيل التقرير أن المنتوجات الزراعية سجلت في النصف الأول من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 21%، بينما صادرات الخدمات السياحية تراجعت في ذات الفترة بنسبة 8ر4%. أما صادرات المجوهرات فقد سجلت ارتفاعا بنسبة 3ر12%.

ويقول شاؤولي كاتسنلسون، نائب المدير العام في معهد الصادرات، إن معطيات مكتب الاحصاء المركزي تعكس تغيرات من حيث الكمية، وليس من حيث المردود المالي بالدولارات. وأضاف أن الصادرات الإسرائيلية ما تزال تراوح مكانها منذ سنوات، وأن صادرات البضائع الصناعية تواصل تراجعها، وفي المقابل تسجل صادرات الخدمات ارتفاعات عالية. وحسب تقديراته فإن تقرير مكتب الاحصاء لن يغير توقعات معهد الصادرات، القائلة إن اجمالي صادرات البضائع والخدمات ستسجل هذا العام ارتفاعا اجماليا بنسبة 2%.

هذه المعطيات ليست مدعاة للتفاؤل الزائد

ورغم هذه المعطيات، إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي شهد حتى قبل خمس سنوات معطيات أفضل بكثير، ولهذا يقول المحلل باسوك في مقال له: "هل أمام هذه المعطيات التي يتم تعديلها، تكون إسرائيل في مرحلة ازدهار اقتصادي خارج عن المألوف؟ بالتأكيد لا. وهل وضعية الاقتصاد الإسرائيلي أفضل من التقديرات السابقة لغالبية الخبراء الاقتصاديين، بمن فيهم خبراء وزارة المالية وبنك إسرائيل المركزي، وديوان رئاسة الوزراء؟ بالتأكيد نعم. وهل الوضع الحالي يضمن لنا عامين اقتصاديين جيدين، من خلال الميزانية العامة للعامين 2017 و2018؟ ليس بالضرورة".

ويبرر باسوك استنتاجاته بأنه في مشروع الموازنة العامة، تم تقديم امتيازات مالية على خلفية حزبية، بمعنى تطبيق اتفاقيات ائتلاف مع الكتل البرلمانية المشاركة في الحكومة. كما أن الميزانية تفتقر إلى محركات نمو، بالمفاهيم الاقتصادية الجديدة، خاصة تلك التي من شأنها أن تحقق قفزة للاقتصاد الإسرائيلي.

ويتابع باسوك قائلا إن المعطيات الاقتصادية ايجابية في هذه المرحلة، على الرغم من أن وزيري المالية، الحالي موشيه كحلون والسابق يائير لبيد، توليا المهمة من دون خلفية اقتصادية، وكلاهما تشبث بقضية أسعار البيوت أكثر من أي قضية أخرى.

ويلاحظ باسوك أيضا أن محافظة بنك إسرائيل، من جهة، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من جهة أخرى، بات تدخلهما بتفاصيل السياسة الاقتصادية أقل مما كان حتى وقت قريب.