المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 2526
  • شاحر إيلان
  • برهوم جرايسي

إسرائيل دولة عظمى بالخصوبة من حيث معدل الولادة لكن ليس بإنتاجية العمل. فمعدل الخصوبة العام في إسرائيل، كان في العام 2011 ثلاث ولادات للمرأة الواحدة. وهذا أعلى بنسبة 50%، وعلى الأقل أكثر بولد واحد، من معدل جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، إذ تحل بعد إسرائيل بمعدل ولدين للمرأة الواحدة، كل من إيرلندا والمكسيك وتركيا وفرنسا وانكلترا. ومعدل الخصوبة في دول منظمة OECD بلغ 7ر1 ولد للمرأة الواحدة. وفي الولايات المتحدة الأميركية المعدل 9ر1 ولد للمرأة الواحدة، ويهبط المعدل في اليابان إلى 4ر1 ولد.

لكن المقارنة المثيرة حقيقة، هي بين إسرائيل والدول العربية، فمعدل الولادة في إسرائيل أعلى مما هو في مصر- 9ر2 ولادة للأم الواحدة، وفي ليبيا- 5ر2 ولادة للأم الواحدة، وفي لبنان- 5ر1 ولادة للأم الواحدة. ورغم ذلك، يبقى معدل الولادة في إسرائيل أقل من المعدل الاجمالي للدول العربية- 4ر3 ولادة للأم الواحدة. ولكن مع الانتباه إلى حقيقة أنه خلال عشرين عاما، هبط المعدل في الدول العربية من 5 ولادات إلى 4ر3 ولادة. وخلال الفترة ذاتها ارتفع المعدل في إسرائيل من 9ر2 ولادة إلى 3 ولادات.

كما هو متوقع، فإن النساء المتدينات المتزمتات "الحريديم"، والنساء العربيات المسلمات، يساهمن كثيرا في معدل الولادات العالي. ولكنهن لا يساهمن في الارتفاع المتواصل في معدلات الولادة في إسرائيل. فمعدل الولادة لدى النساء المسلمات، انخفض خلال 20 عاما من معدل 7ر4 ولادة إلى 4ر3 ولادة. بينما معدل الولادات لدى النساء اليهوديات عامة، ارتفع خلال الفترة ذاتها من 6ر2 ولادة إلى 1ر3 ولادة للأم الواحدة. وهذا يتحقق على الرغم من الانخفاض في معدل الولادة لدى نساء "الحريديم"، من 5ر7 ولادة في العام 2000 إلى أقل من 7 ولادات حاليا (9ر6 ولادة). والارتفاع في معدل الولادات يتم أساسا لدى النساء المحافظات (بالأساس لدى المتدينات من التيار الديني الصهيوني- المحرر)، فقد ارتفع معدل الولادات لدى النساء المحافظات خلال سنوات الالفين بنصف ولادة.

والنتيجة، أن التكاثر السكاني كان في العام 2011 بنسبة 9ر1%، وهذا تقريبا ثلاثة أضعاف معدل نسبة التكاثر في الدول الأعضاء في منظمة OECD، بنسبة 7ر0%، وأعلى بسبعة اضعاف من معدل نسبة التكاثر في دول الاتحاد الاوروبي، 26ر0%.

والأسباب التي تؤدي إلى انخفاض الولادة تعد في قسم منها جيدة للاقتصاد؛ مثلا، ارتفاع مستوى التحصيل العلمي لدى النساء. ولكن هل الولادة بحد ذاتها جيدة للاقتصاد؟. فقد استنتج بحث في مركز الابحاث في الكنيست، أن التكاثر السكاني يستوجب استثمارا عاليا نسبيا في الصرف المدني للحكومة، على سبيل المثال بناء الغرف المدرسية، والمستشفيات. وقد بيّن فحص أجرته صحيفة "كالكاليست" في الآونة الأخيرة، أن الصرف الوطني العام على التعليم في إسرائيل هو عال، ولكنه يبقى أقل بكثير من معدل الصرف في دول OECD، وهذا ناجم عن أعداد الطلبة الكبير. كما أن الصرف العام على الصحة، هو بمعدل 2500 دولار سنويا للفرد، وهذا أقل من نسبة 30% مما يصرف في الولايات المتحدة الأميركية- 9 آلاف دولار.

لكن معدل ولادات عالية من شأنه أن يؤدي إلى نمو اقتصادي عال.

ويقول مدير معهد "شورش" للأبحاث السياسية، البروفسور دان بن دافيد، إن كل شيء مرتبط بالثقافة، "فالولادة في إسرائيل ممكن أن تكون ايجابية جدا، فالعالم الغربي يشيخ، وهذا يخلق مشكلة كبيرة، فمن سيمول الجيل السابق؟ لو منحنا الأولاد الأدوات، فإن السماء هي الحدود".

وهذا يعني أنه بمنظور اقتصادي، فإن الولادة ممتازة، إذا حصل الأولاد على التأهيل الصحيح لسوق العمل. والتحدي الاقتصادي ناجم عن أن قسما كبيرا جدا من الولادة يأتي من الجمهور العربي، الذي يحصل على أقل بكثير من ميزانيات التعليم، ومن جمهور "الحريديم"، الذي يرفض اثراء ابنائه بالمواضيع المدرسية الجوهرية الأساسية.

ويقول بن دافيد "إذ لم يحصل الأولاد على الأدوات التي تسمح لهم بالتعامل مع سوق العمل العصرية، فإنهم سيتجهون نحو الفقر، لأن انتاجية عملهم سيكون فيها خلل، فلو حصل الأولاد العرب و"الحريديم" في العقود الأخيرة، على مستوى تعليمي يؤهلهم لسوق العمل العصرية، فإن مستوى المعيشة هنا كان أعلى بكثير، في حين تكون مستويات الفقر خلافا لما هو قائم حاليا (أقل)".

ويقول البروفسور عيران ياشيف، من كلية الاقتصاد في جامعة تل أبيب، إن معدل الولادة يرفع من العاملين الأساسيين في احتساب الناتج للفرد: الناتج وعدد الأنفس. ولكن المشكلة، حسب رؤيته، أن الولادة تتركز في مجموعتين لا تندمجان في سوق العمل بالمعلات المطلوبة، مثل "الحريديم"، ويقول "إن التوقعات بأن يكون 25% من اجمالي السكان من جمهور "الحريديم"، بعد 30 عاما، أمر اشكالي جدا للناتج العام".

والولادة ليست عملية ديمغرافية وحيدة ساهمت في ارتفاع نسب الفقر في السنوات الأخيرة، بل هناك عامل آخر، هو ارتفاع نسبة العائلات أحادية الوالدين. إذ يتبين من تقرير لمؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية)، أنه في العام 1995، كانت نسبة العائلات أحادية الوالدين من اجمالي العائلات التي فيها أولاد، 3ر9%، وارتفعت هذه النسبة حاليا إلى 4ر12%. وعلى رأس 97% من العائلات أحادية الوالدين نساء.

ولهذه الظاهرة سببان أساسيان: ارتفاع في أعداد النساء اللاتي ينجبن أولادا من دون زواج، وارتفاع نسبة الطلاق بين الأزواج.

ويتبين أن 2ر4% من الولادات في إسرائيل كانت لنساء عزباوات، وهذه النسبة كانت قبل عقد من الزمن 1ر3%. (نسبة 2ر4% ولادات لنساء عزباوات تعني حوالي 5ر9% من اجمالي النساء اليهوديات العلمانيات، كون هذه الظاهرة غائبة عن المتدينات اليهوديات وعن العرب- المحرر).

ويجري الحديث عن عملية أحد عواملها المركزية هو قدرة النساء على إعالة أبنائهن لوحدهن. وعلى الرغم من ذلك، فإن نسبة الفقر بين العائلات أحادية الوالدين بلغت في تقرير الفقر عن العام 2014، أكثر من 25% مقابل نسبة 19% بين اجمالي العائلات. بمعنى أن اتساع ظاهرة هذه العائلات يرفع من معدلات الفقر.

والفرق بين نسبة عائلات المسنين الفقيرة وبين العائلات الفقيرة عامة في البلاد كبير جدا. فنسبة الفقر بين عائلات المسنين 23% مقابل 19% بين اجمالي العائلات. ولكن نسبة المسنين من الجمهور بشكل عام، ارتفعت بشكل حاد، من 5% في العام 1995 إلى 6ر10% في العام 2013. وهذا الارتفاع ليس فقط يساهم في ارتفاع نسبة العائلات الفقيرة، وإنما في هذه الحالة فإن الحديث يجري عن ارتفاع أعداد الفقراء الذين ليست لهم القدرة على زيادة مداخيلهم، وانقاذ أنفسهم من الفقر.

(عن "كالكاليست"- ملحق اقتصادي تابع
لـ"يديعوت أحرونوت"، ترجمة بتصرف)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات