يستدل من تقارير إسرائيلية كأن اجمالي الضرائب في إسرائيل أقل من المعدل القائم في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، ولكن إذ ما جرت المقارنة مع مستوى الخدمات للمواطن، ومعدلات الصرف الحكومي على الشؤون المدنية، يظهر جليا أن نسب الضرائب في إسرائيل هي أعلى بكثير، خاصة بعد فصل الصرف العسكري عن الفصل المدني.

ويقول تقرير موسع في صحيفة "كالكاليست" التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إنه إذا ما فحصنا العبء الضريبي في إسرائيل، بمعنى اجمالي المداخيل من الضرائب، بالمقارنة مع الناتج العام، ومقارنة مع المعدلات القائمة في منظمة OECD، يظهر وكأن الوضع في إسرائيل ليس سيئا، ففي حين أن معدل العبء الضريبي في منظمة OECD، بلغ في العام 2014 نسبة 4ر34%، فإنه في إسرائيل كان 31%.

وتقول "كالكاليست"، إنه من حيث المبدأ فإن عبئا ضريبي أقل، هو أمر ايجابي، يخلق ظروفا لدعم النمو والاستثمارات، ويقلص السعي للتهرب الضريبي، ولكن الأمر قد يكون مؤشرا لصرف عام أقل بكثير. وهذا صحيح، فالصرف العام في إسرائيل أقل بنسبة 6% مما هو عليه كمعدل في منظمة OECD، بموجب معطيات العام 2014. وأكثر من هذا، فإن الصرف على الأمن في إسرائيل أعلى بكثير مما هو في باقي دول OECD.

وبموجب معطيات بنك إسرائيل المركزي، فإن الصرف العام على التعليم والمواصلات العامة، وعلى البنى التحتية، من دون الأمن، بلغت نسبته 31% من اجمالي الناتج، مقابل نسبة 43% كمعدل في منظمة OECD. وعمليا فإن إسرائيل تجبي ضرائب أقل من الدول الأخرى، ولكنها تقدم أقل لمواطنيها. وعلينا أن نسد هذا الفارق من مداخيلنا الخاصة كجمهور، أو أن نكتفي بما هو قليل. فقد قالت محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ، "يجب رفع معدلات الصرف العام على الجوانب المدنية، ورفع الضرائب بشكل حاد".

وتضيف الصحيفة أنه عدا عن هذا، يجب فحص شكل مداخيل الدولة من الضرائب. فمن اجمالي مداخيل الضرائب في العام 2014، كانت نسبة المداخيل من ضريبة المشتريات (ضريبة القيمة المضافة) 15%، في حين أن النسبة بالمعدل في دول منظمة OECD هي 19%. وهذا يعني أن العبء يثقل على الشرائح الضعيفة، بشكل أكثر من غيرها، لأن الحديث يجري عن ضريبة مفروضة على المصروفات وليس المداخيل. ويصرف ذوو المداخيل القليلة كل مداخيلهم على المنتوجات والخدمات الأساسية، ويدفعون ضريبة المشتريات عنها كلها، في حين أن أصحاب المداخيل العالية، قادرون على توفير قسم من مداخيلهم، وأن يربحوا من هذا.

إن هيكلية كهذه مبنية بقدر كبير على الضريبة غير المباشرة، تزيد من حالة اللامساواة، وتضرب الشرائح الفقيرة والضعيفة. والتفسير الاجتماعي للاعتماد على الضرائب غير المباشرة، مقلق لا أقل من الهيكلية بحد ذاتها، بحسب ما تقول الصحيفة، التي أضافت، أنه في مجتمع متراص، من السهل أكثر جباية ضرائب مباشرة، مثل ضريبة الدخل، لأن التضامن الاجتماعي يقلل من الاعتراض على أن يقدم كل فرد مساهمته لصالح المجموع، بينما في المجتمع المتفكك المتناحر، حينما يدفع قسم من الجمهور ضرائب، يتولد شعور وكأنه "الآخرين" لا يساهمون في صالح المجموع العام.

وعدا عن هذا، فإنه لا يمكن تجاهل المال الأسود، الذي يختفي من كل المعطيات والتقارير الرسمية. وبحسب تقديرات طرحها البنك الدولي في العام 2010، فإن حجم المال الأسود (الذي لا يصرّح به لسلطات الضرائب) يصل إلى 20% من حجم الناتج العام، ما يعني إسرائيليا قرابة 200 مليار شيكل (2ر52 مليار دولار). ومنذ ذلك الحين، لم تعمل اية جهة إسرائيلية على طرح تقدير حقيقي لحجم المال الأسود في إسرائيل، رغم محاولات محاربته.

وحتى إن ساهمت الاجراءات التي اتخذت في السنوات الأخيرة، في تقليص ظاهرة المال الأسود في إسرائيل، فإن حجمه ما يزال ضخما جدا. فلنتخيل ما الذي كانت الدولة ستفعله مع عدة مليارات أخرى، تدخل إلى خزينة الضرائب؟ لربما يمكن زيادة كبيرة جدا في ميزانية الأمن، ولكن ليس على حساب ميزانيات الخدمات الاجتماعية، أو تقليص أعداد التلاميذ في الصفوف المدرسية، وغيرها.

كلفة المعيشة تواصل ارتفاعها

وتوقّف تقرير صحيفة "كالكاليست"، الذي شمل عدة جوانب في الاقتصاد الإسرائيلي، مع بدء السنة العبرية الجديدة، عند مسألة غلاء المعيشة، وقال إن عدة أبحاث نشرت في السنوات الأخيرة، ومنها أبحاث رسمية صادرة عن بنك إسرائيل المركزي ووزارة المالية، توصلت بشكل أو بآخر، إلى الاستنتاج ذاته، وهو استمرار ارتفاع كلفة المعيشة، وبالأساس في القطاعات الاحتكارية الكبرى، مثل سوق الأغذية. وفي احتساب كلفة المعيشة، بناء على حجم الناتج للفرد، يتبين أن إسرائيل هي من الدول الأكثر غلاء، وهذا ظهر أيضا في تقارير دولية، من بينها تقارير منظمة OECD. وأحد أسباب هذا الغلاء هو الاحتكارات الكبرى، والحواجز الكبيرة للحفاظ عليها في الأسواق.

وتقول الصحيفة إنه كان على الحكومة أن تحدد الفشل في السوق، ولكنها لم تفعل ما يؤدي إلى تخفيض حقيقي في الأسعار للمستهلك. والمسألة ليست مرتبطة بهذا الوزير أو ذاك، وإنما بمعطيات متراكمة وسياسات مستمرة على مدى السنين، وخاصة في السنوات العشرين الأخيرة. فمثلا التضخم المالي منذ العام 1996 وحتى اليوم ارتفع بحساب تراكمي بنسبة 55%، بمعدل 75ر2% سنويا، بينما أسعار المواد الغذائية، بما فيها الخضروات والفواكه ارتفعت في نفس الفترة بنسبة 5ر72%. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ارتفعت مداخيل العاملين بنسبة قادرة على تسديد فاتورة ارتفاع الأسعار؟. الجواب كلا. فخلال السنوات الـ 15 الأخيرة، ارتفع حجم الراتب فعليا بنسبة 4%، ما يعني أن ارتفاع الأسعار كان أقل بكثير من الفجوة ما بين ارتفاع الأسعار وحجم التضخم المالي، وهذا يزيد العبء على الجمهور.

ويقول التقرير إن الأمر يستفحل أكثر إذا نظرنا إلى معدل الأجور الفعلي، وليس الرسمي، فقد زادت الفجوة بين معدلي الراتبين، لصالح المعدل الرسمي، وهذا يعني أن حجم الراتب الفعلي ارتفع في السنوات الـ 15 الأخيرة أقل من نسبة 4%.

يشار هنا إلى أنه في السنوات الأخيرة، باتت اتفاقيات الأجور بين اتحاد النقابات "الهستدروت" والحكومة وأرباب العمل شبه غائبة، ولكنها غائبة كليا وفعليا في ما يتعلق القطاع الخاص، الذي لم يحظ بأي ارتفاع في الأجور منذ سنوات طويلة. والاعتماد الوحيد القائم لرفع أجور القطاع الخاص، هو رفع الحد الأدنى من الأجر، الذي ارتفاع منذ العام 2007 وحتى اليوم بنسبة 26%، من 3850 شيكلا، إلى 4850 شيكلا، ومن المفترض أن يرتفع إلى مستوى 5 آلاف شيكل مع مطلع العام المقبل، ولكن على الرغم من هذه النسبة التي تعد كبيرة، قرابة 30% حتى مطلع 2017، إلا أنه سبق رفع الأجر سنوات طويلة، دون أن يحظى بأي ارتفاع، ما يجعل قيمته الشرائية حاليا أقل مما كانت عليه في سنوات الألفين على الأقل.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, الهستدروت