• المشهد الاقتصادي
  • 2011
  • سامي بيرتس
  • برهوم جرايسي

تعريف
ثار من جديد، في الأيام الأخيرة، الجدل حول سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسطوة الكاملة على وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية التي تشارك فيها استثمارات، من خلال اجراءات تعطي الحكومة، وبالذات شخصه، نفوذا أقوى في التدخل في تفاصيل البث، من طريق التوظيفات والأنظمة. وحاول

نتنياهو في الأيام الأخيرة تأجيل بدء عمل الشركة الحكومية الجديدة، التي ستتولى المسؤولية عن سلطة البث العام (إذاعة وتلفزيون)، بدلا من سلطة البث القائمة، وسط تقديرات تؤكد أن نتنياهو ليس مرتاحا شخصيا من التعيينات في الشركة الجديدة، ما أثار ضجة كبيرة واعتراضات من شركائه في الائتلاف الحاكم، وخاصة وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، ووزير المالية موشيه كحلون. ويلقي الكاتب سامي بيرتس هنا المزيد من الضوء على جوانب هذه القضية).

يجري في العامين الأخيرين تحليل عصري تجريبي من أجل فصل التوجهات السياسية عن سلطة البث العام. ويتضمن هذا التحليل الكثير الكثير من التعقيدات، ومن الصعود والهبوط، على ضوء الوضعية الحالية المختلفة لسلطة البث العام، إذ أنها تحارب من أجل البقاء. فحتى قبل أيام، كان الاعتقاد بأن الشركة الحكومية الجديدة لسلطة البث تشكل أمرا يثير الحماسة، وتضمن جاذبية في سوق الإعلام. وكان التخيل هو أنه من الممكن أن تكون سلطة بث عام ليست خاضعة للضغوط، ولا لأصحاب رأس المال وذوي المصالح، ومن دون سطوة حزبيين، وحتى أنها من الممكن أن تضمن استقرار عمل تحت مظلة تمويل وزارة المالية.

ونشرت الشركة الحكومية هذه تقريبا يوميا، في الاسابيع الأخيرة، بلاغا في صفحتها على شبكة "تويتر" عن استيعابها صحافيين جدد من سلطة البث القائمة، وصحافيين يعملون في مواقع انترنت، وقد عرضتهم الواحد تلو الآخر، من أجل كشف المشروع الإعلامي الجديد، حتى خلقت تشوّقا لرؤية البث الإعلامي العام الجديد. إلا أن هذا التشوق والوعود بما هو جديد لن يكون، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كوزير للإعلام، لا يحب رؤية وسيلة اعلامية حرّة ومستقلة، بل يفضلها مؤيدة لشخصه وتمتدحه، أو على الأقل خائفة منه، وخاضعة لأنصاره.

فالقانون لاقامة الشركة الحكومية للبث العام، تم سنّه بعد جهد كبير لوزير الإعلام السابق غلعاد إردان، رغما عما كان يريده نتنياهو. والوظيفتان الأساسيتان لهذا القانون: أولا، اقامة شركة حكومية جديدة، مع ثقافة ادارية مهنية، غير تلك التي كانت قائمة في سلطة البث العام، القائمة حاليا، وتم افسادها على مر السنين. وثانيا، ابتعاد البث العام عن السياسيين.

وفي العام الأخير يعمل القائمون على الشركة الحكومية الجديدة لتحقيق الهدف الأول، وهم يجندون عاملين، وعاملين ذوي خبرة في اعداد البرامج، ويؤسسون مبنى تنظيميا جديدا، ويستأجرون مكاتب، ويشترون معدات، ويحاولون بناء شيء جديد. وقسم من إجراءاتهم تبدو مهنية وصحيحة، وقسم منها فيها اشكالية. والواقفان على رأس الشركة الحكومية، المدير العام إلداد كوفلينتس، ورئيس مجلس الإدارة غيل عومر، خلقا حولهما مجموعة من العاملين السابقين في إذاعة الجيش الإسرائيلي، ويشغّلان مستشارين وأشخاصا من دوائرهما الاجتماعية، الذين يجرون طيلة الوقت مقابلات مع اشخاص للعمل، على الرغم من أن أولئك المقربين ليست لهم أية وظيفة في هذه الشركة الحكومية، وهذه بداية ليست جيدة.

والقسم الثاني، كان يبدو في الايام الأخيرة ناجحا أكثر. فكما يظهر أن القانون ورغم كل المحاولات نجح في ابعاد السياسيين، رغم أن نتنياهو لم يكن راضيا إلى هذا الحد مما يجري، وأراد تأجيل بدء عمل الشركة الجديدة، وقبر المشروع عمليا. وفي تقديرات الجهاز الحكومي، أن الشركة استوعبت أشخاصا للعمل، حاول نتنياهو استبعادهم، كما أن نتنياهو وضع علامة على مدير عام الشركة كوفلينتس، كشخص استقلالي أكثر من اللازم.

ولهذا فإن نتنياهو نسج مع رئيس اتحاد النقابات، الهستدروت، آفي نيسانكورين، صفقة لتأجيل بدء عمل الشركة، على أمل أن يفهم كوفلينتس الرسالة المبطنة، ويرحل من تلقاء نفسه. ولكن نتنياهو أصدر اشارة إلى أنه لا يوجد بث عام، من دون تدخلات سياسية. وهذه رسالة إلى مدراء الشركة، ولمن يريد العمل فيها. فإن بدأت الشركة العمل في تاريخ محدد، أو يتم تأجيله، فإن الرسالة باتت هنا: انسوا بثا عاما مستقلا، وخاليا من التأثيرات السياسية.

إن تزامن ذلك مع استدعاء ضابط إذاعة الجيش الإسرائيلي يارون ديكل لمحادثة استيضاح لدى وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، في أعقاب بث برنامج عن قصائد محمود درويش، هو رسالة من ذات فصيل الرسالة التي سمعناها: استقلالية، وحرية صحافية، هما أمر لطيف، ولكن كي لا تختلط عليكم الأمور، فإننا نحن (السياسيين) نسيطر على البث العام. ولم نكن بحاجة للوصول حتى هنا، من أجل معرفة هذا، فمنذ اللحظة التي عيّن فيها نتنياهو نفسه وزيرا للإعلام، وأدخل في الاتفاقيات الائتلافية لحكومته الحالية بندا يمنع أعضاء الائتلاف من الاعتراض على مبادراته في سوق الإعلام، فقد كان واضحا أن لديه خطة، وأجندة خاصة به.

إن تحركات نتنياهو عرّضته لانتقادات في حكومته، بدءا من وزراء في حزبه، ثم وزراء من الكتل الأخرى، ومنهم وزير التربية والتعليم، ورئيس تحالف البيت اليهودي نفتالي بينيت، الذي فهم ان نتنياهو يتجه للسيطرة على وسيلة إعلام أخرى. وقال بينيت إنه فحص ووجد في الشركة الكثير من الأشخاص العاملين من اليمين، وأيضا الكثير من اليسار. وهذا يعني أن هناك من يفحص الهوية السياسية للعاملين هناك. وإذا كان هناك من هو بحاجة لإثبات أن شركة كهذه لا يمكنها أن تكون خالية من التأثيرات السياسية كليا، فها هو الاثبات لديه.

إن من خرج من هذه القضية مصابا، كان رئيس اتحاد النقابات نيسانكورين، فالشركة ستبدأ العمل في مطلع العام المقبل، لأنه أراد تأجيل عمل الشركة كي يؤجل انهاء عمل العاملين الحاليين في سلطة البث. ويقولون في وزارة المالية، التي اعترض وزيرها موشيه كحلون على تأجيل بدء عمل الشركة، إن نيسانكورين تحالف مع نتنياهو لخرق اتفاقية قائمة، وإذا تمسك بموقفه فإنه سيضر في احتمالات اتفاقيات مستقبلية مع وزارة المالية.

إن سيطرة نتنياهو على وسائل الإعلام تهدف إلى توطيد قوته في وسائل الإعلام، في مواجهة المعارضة، ولكن أيضا في مواجهة المعارضة الداخلية له في الحكومة، التي تقلقه بدرجة لا أقل ولربما أكثر.

( عن "ذي ماركر")