المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

(تقديم: أقرت الحكومة الإسرائيلية في جلستها يوم الأحد 19 حزيران الجاري، خطة أشرف عليها الوزيران ياريف ليفين وزئيف الكين، بتكليف من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لتكثيف ملاحقة البناء غير المرخص في البلدات العربية، وتكثيف تنفيذ أوامر الهدم؛ إذ اشترط نتنياهو اقرار هذه الخطة، قبل الاقرار النهائي لخطة ما يسمى "دعم الأقليات"، التي أقرتها حكومته من حيث المبدأ، قبل ستة أشهر، وتبين لاحقا أنها أقل مما أعلن بداية، ولا تفي بالغرض.
وبينما ادعت الحكومة أن الميزانية الاجمالية في السنوات الخمس التي ستطبق فيها الخطة، تبلغ 15 مليار شيكل - 8ر3 مليار دولار- فإن وزير المالية موشيه كحلون اعترف بأن الغالبية الساحقة من هذه الميزانية موجودة أصلا في الموازنة السنوية العامة، وأن الزيادة لا تتعدى 5ر2 مليار شيكل. بينما أكدت أبحاث خبراء أن الميزانية ككل لا تتعدى 5 مليارات شيكل، وان القسم الاضافي منها لا يتعدى 5ر1 مليار شيكل)

في مرحلة ما، في جلسة الحكومة، انفجر الوزراء بالضحك، وهذا كان في ذروة البحث المشحون حول البناء غير المرخص في البلدات العربية.

فكما نذكر، في نهاية شهر كانون الأول الماضي، صادقت الحكومة على خطة خماسية تاريخية لتطوير الجمهور العربي، مع ميزانية من 12 مليار شيكل (الرقم حسب ما ورد في المقال). وتمت المصادقة بعد ثلاث جلسات تفجرت الواحدة تلو الأخرى، بسبب رفض وزراء الليكود المتطرفين المصادقة على تحويل الميزانيات للجمهور العربي في إسرائيل.

في نهاية المطاف تمت المصادقة على الخطة، ولكن بتحفظ واحد: تجميد مليار شيكل من الخطة التي خصصت لمسألة التنظيم والبناء، إلى حين تجد الدولة حلا للبناء غير المرخص في البلدات العربية. ورفض الوزيران زئيف الكين وياريف ليفين تحويل الأموال إلى البلدات العربية، طالما أنه لم تتم معاقبة العرب على البناء غير المرخص، رغم أن هذه البلدات مكتظة، وهي الأضعف من بين جميع البلدات في إسرائيل.

وفي الحقيقة، فإن البناء غير المرخص بات ظاهرة سيئة ومسيئة في البلدات العربية، ولا توجد تقديرات دقيقة لعدد المباني غير المرخصة في هذه البلدات، ولكن كما يبدو يجري الحديث عن آلاف البيوت.

وفي الحقيقة أيضا، أن البناء غير المرخص انعكاس واضح لأجواء الانفلات التي تسود قسما من البلدات العربية، التي لا قيمة فيها للانصياع للقوانين.

وتقول الحقيقة أيضا، إن المتضررين الأساسيين من البناء غير المرخص هم المواطنون العرب، لأن البناء غير المرخص يأتي على حساب أراض عامة وبنى تحتية، ولا يسمح للبلدات بالتطور كما هو مطلوب، ببناء مدارس مراكز جماهيرية وشق شوارع. ولكن الحقيقة أيضا، هي أن قسما ملحوظا من البناء غير المرخص هو بناء اللا مفر، لأن البلدات العربية تختنق من نقص الأراضي، إذ لا تسمح الدولة لهذه البلدات بتوسيع مناطق نفوذها؛ ولأنه لا توجد في البلدات العربية خرائط هيكلية تسمح بالبناء المرخص؛ ولأن السلطات المحلية العربية ضعيفة، ولا تستطيع اجراء تخطيط وتطوير، أو فرض القانون.

والحقيقة بالمختصر، أن البناء غير المرخص يتفشى في البلدات العربية، لأنها بلدات فقيرة ومهملة، من دون ادارة، ومن دون موارد، ومن دون أراض فارغة. وجزء من هذه الاسباب، على الأقل، تقف من خلفها الغالبية اليهودية الغنية في دولة إسرائيل، التي سمحت على مر السنين بخنق البلدات العربية، من دون أراض ومن دون موارد، وبعد كل هذا، معاقبة العرب على نتائج الاعمال هذه.

اشتراط غريب

والآن جاءت الحكومة لتغير التوجه العقابي، مع قرار تاريخي أقرته وزارة المالية وديوان رئاسة الوزراء، من خلال الخطة الخماسية للجمهور العربي. ومع قرار اضافي لمعالجة البناء غير المرخص في البلدات العربية، ولكن بطريقة بناءة. فالطاقم الوزاري برئاسة نائب المستشار القانوني للحكومة، إيرز كمينيتس، قدم توصيات لزيادة اجراءات تطبيق القانون ضد البناء غير المرخص في كل دولة إسرائيل، ولكن واضح للجميع أن أساس المشكلة موجودة في البلدات العربية.

ولاحظ طاقم كمينيتس أن السلطات العربية تعاني من تمييز في الموارد، في مجال العمل على تطبيق القانون ضد البناء عير المرخص، وبالأساس في مجال صلاحيات السلطات المحلية، إذ فقط لأربع بلديات عربية توجد صلاحيات في مجال التنظيم والبناء، من خلال لجان تنظيم وبناء خاصة بها. ولكن من دون صلاحيات لفرض القانون، فمن الصعب الادعاء ضد السلطات المحلية العربية بأنها لا تبدي مسؤولية تجاه قضايا البناء.
كما أن طاقم كمينيتس لاحظ أنه لا توجد تقريبا أنظمة تطبيق القانون ضد البناء غير المرخص بسبب صعوبة تطبيق اجراءات القانون، وبالأساس في المسار الجنائي، واصدار أوامر الهدم. فالمحاكم تصدر أوامر هدم، ولكن لا يتم تنفيذها، ولربما بسبب خوف الشرطة من إثارة الأجواء في البلدات العربية، أو لأسباب أخرى.

وعلى ضوء هذا، فقد أوصى طاقم كمينيتس بتغيير التوجه القائم. بداية أوصى بالانتقال في تطبيق القانون من المسار الجنائي إلى المسار الاداري أساسا، بمعنى فرض غرامات، بدلا من أوامر هدم، وابقاء المسار الجنائي بمعنى الهدم، فقط للقضايا الأشد خطورة. وثانيا تسليم السلطات المحلية العربية صلاحيات، من خلال إقامة 22 لجنة تنظيم وبناء محلية جديدة في البلدات العربية. وثالثا، اتباع نهج العصا والجزرة، بحيث يتم اختبار السلطات العربية بحسب قدرتها على تطبيق القانون، ومن تنجح في تطبيق القانون ستحصل على الحق بإقامة لجنة في منطقة نفوذها، اضافة إلى موارد ملائمة. ومن لا تطبق القانون بشكل مقنع، فإنها ستتلقى ضربات، وستتولى الأمور لجنة التنظيم والبناء القطرية (العامة)، وستطبق القانون بدلا منها، وهذا يُعد مسا بصلاحيات رئيس السلطة. ورابعا، مساعدة السلطات العربية على التغلب على النقص في الموارد، وفي اعداد واقرار الخرائط الهيكلية، وفي الأراضي، التي هي أسباب أساسية للبناء غير المرخص، وهذه هي ميزانية المليار شيكل التي تم تأخيرها.

أما خامسا فهو زيادة قدرة الدولة على تطبيق القانون في مجال التنظيم والبناء من خلال تعزيز وتقوية الوحدات القطرية، مع منحها صلاحيات وموارد. وسادسا، الغاء سياسة العصا والجزرة، في ما يتعلق بالعلاقة بين زيادة تطبيق القانون ضد البناء غير المرخص في البلدات العربية، وبين مسألة نقل مليار شيكل، للمساعدة في مسألة الأراضي والموارد لإعداد الخرائط الهيكلية في هذه البلدات.

والشرط السادس قائم من قبل أن طالب به الوزيران الكين وليفين في شهر كانون الأول الماضي، وها هو يلغى الآن. وحول هذا كان البحث متوترا في جلسة الحكومة، إذ طالب وزراء الليكود المتطرفون بالاستمرار بهذا الشرط، وعدم تحويل مليار شيكل، إلى حين سن القوانين التي تضمن زيادة الاجراءات لتطبيق القانون ضد البناء غير المرخص.

ولاحظ الوزراء أن هذا الشرط غريب، لأنه لماذا سيكون من الصعب على ائتلاف يرتكز على 66 عضو كنيست أن يمرر القوانين التي يريدها. وقد تلوى الوزيران الكين وليفين، في محاولة الابقاء على هذا الشرط، بدعوى أن الشرط سيجبر أعضاء الكنيست العرب على تأييد زيادة الاجراءات لتطبيق القانون ضد البناء غير المرخص، لأنه من دون هذا، فإن البلدات العربية لن تحصل على المليار شيكل، المخصصة للمساعدة في الحصول على الأراضي، واعداد الخرائط الهيكلية.

لكن من الواضح أن أعضاء الكنيست العرب لن يؤيدوا هذه التشريعات، وفي المقابل من الواضح أن الائتلاف اليميني لن يرتكز على أصوات أعضاء الكنيست العرب من أجل تمرير القوانين التي يريدها.

في هذه المرحلة، اضطر الوزير الكين للاعتراف بأن تخوفه ليس نابعا من تأييد أو عدم تأييد أعضاء الكنيست العرب للقانون المقترح، وإنما عدم وجود تأييد من أعضاء كنيست من الليكود لهذا القانون. وقد ذكّر الكين بالبناء غير المرخص القائم أيضا في القطاع الزراعي، وفي المجالس الإقليمية (بقصد اليهودية)، وأعرب عن تخوفه من أن رؤساء المجالس الإقليمية (تضم عدة قرى صغيرة)، سيضغطون على أعضاء كنيست من حزب الليكود، كي يمنعوا تشديد الاجراءات ضد البناء غير المرخص في إسرائيل.

حينها سأل وزير الداخلية آرييه درعي: "حسنا، إذا كانت المشكلة هي مدى تأييد نواب الليكود، بسبب الرغبة بالدفاع عن البناء غير المرخص في المجالس الإقليمية، فإذن لماذا تريد معاقبة البلدات العربية، وأن تسحب منها ميزانية مليار شيكل لسبب كهذا؟".

وكانت هذه هي اللحظة التي انفجر فيها الوزراء بالضحك، لأنه كان واضحا أن العفريت سيخرج من القمقم، بمعنى أنه ليس العرب هم من يشكلون خطرا على سن قانون تطبيق القانون ضد البناء غير المرخص، وإنما اليهود الأقوياء في المجالس الإقليمية. ولم تكن الرغبة في تطبيق قانون البناء هي التي تقف وراء اشتراط تحويل ميزانية مليار شيكل إلى البلدات العربية، وإنما مجرد الرغبة بمعاقبة البلدات العربية لكونها عربية.

وهذا الضحك رجّح كفة الميزان. وقررت الحكومة أنه في حال وجدت صعوبات في اقرار القانون المقترح، يستطيع رئيس الوزراء ووزير المالية، فحص امكانية تحويل المليار شيكل إلى البلدات العربية، من دون القانون، ولكن هذا يبقى متعلقا بهما.

(ترجمة خاصة عن صحيفة "ذي ماركر")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات