الوزير كاتس يفجر بموقفه الرافض لتحرير المواصلات العامة أيام السبت القضية من جديد وهي أصلا متفجرة منذ عقود

تواصلت في الأيام الأخيرة ردود الفعل في الحلبة السياسية وفي الأوساط العلمانية الإسرائيلية على تصريح وزير المواصلات يسرائيل كاتس الرافض للسماح بمواصلات عامة في أيام السبت والأعياد اليهودية، وهذه القضية تعلو وتخبو على مر عقود، لكن كما يبدو ستكون أحد العناوين المركزية في الدورة الصيفية الأولى للكنيست بعد الانتخابات الأخيرة. ففي الولاية البرلمانية السابقة عالجت الهيئة العامة 20 اقتراح قانون تصب في تحرير المواصلات من قبضة الإكراه الديني، إلا أن الحكومة المنتهية ولايتها رفضتها الواحد تلو الآخر.

وكانت الشرارة الأولى للضجة الحالية تصريحا عابرا من الوزير كاتس على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، يرفض فيه سن قانون للسماح بعمل المواصلات العامة أيام السبت والأعياد العبرية، وهذا كان كافيا ليفجر من جديد قضية قوانين الإكراه الديني، التي يخضع لها الإسرائيليون في العديد من مجالات الحياة العامة، من مسألة التشدد بقضية الحلال في الأغذية، إلى السماح بعمل المحال التجارية والمواصلات العامة.

وكان أحد الإسرائيليين قد توجه إلى صفحة الوزير كاتس من حزب الليكود على شبكة الفيسبوك، بطلب العمل على تحرير حركة المواصلات العامة في أيام السبت، التي يتم حظرها في المدن والبلدات اليهودية، أسوة بالحركة التجارية، بموجب أنظمة أيام السبت والأعياد. وكان رد الوزير كاتس فظاً، إذ قال "إن من يريد حركة مواصلات أيام السبت، عليه أن يتوجه إلى إسحاق هيرتسوغ"، رئيس حزب "العمل"، وأضاف قائلا إن هذا مطلب اليساريين الذي لا مكان له.

فانهال رواد الصفحة على كاتس غاضبين مستنكرين، ومن بينهم مصوتون لحزب الليكود قالوا إنهم صوتوا لحزب الليكود وهم ليسوا يساريين، ويطالبون بتحرير حركة المواصلات في أيام السبت، لأن المتضرر من هذا القانون هم الفقراء الذين لا يملكون سيارات خاصة تنقلهم إلى أماكن أخرى يقضون فيها العطلة الأسبوعية.

وتبين من التقارير اللاحقة، التي صدرت في الأيام الأخيرة، أن الوزير كاتس الذي يتولى هذا المنصب منذ ما يزيد عن ستة أعوام، رفض تطبيق أنظمة أقرت من قبل، وتضمن تسيير حافلات مواصلات عامة، من مراكز المدن إلى المستشفيات، في أيام السبت، بهدف زيارة العائلات لمرضاهم. كذلك تبين من تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أن الدورة البرلمانية الـ 19 عالجت 20 اقتراح قانون تصب كلها في تحرير المواصلات العامة أيام السبت والأعياد، إما بشكل كامل أو جزئيا، إلا أنها كلها فشلت.

وحظر المواصلات العامة أيام السبت مفروض كقرارات للشركات شبه الرسمية التي تشغل خطوط المواصلات العامة، إذ لا يوجد قانون رسمي يحظر المواصلات العامة أيام السبت، ولكن هناك اتفاق غير مكتوب بين الحكومة والتيارات الدينية وخاصة المتزمتة منها، منذ العام 1948، بعدم تسيير المواصلات العامة.

وعادة تبقى الشوارع والطرقات مفتوحة في جميع المدن والبلدات اليهودية، باستثناء شوارع قليلة جدا في المدن الكبرى، إما أنها تمر بحي كله من المتدينين المتزمتين، أو يقع في الحي الكنيس الأكبر في تلك البلدة. ويمكن مشاهدة الحظر الكلي لحركة السير من حافلات وسيارات خاصة في مستوطنات يسكنها المتزمتون فقط، مثل موديعين عيليت وبيتار عيليت وإلعاد، وبعض أحياء القدس.

ويدافع العلمانيون عن موقفهم في مسألة المواصلات العامة بقولهم إنه لا توجد دولة في العالم لا تعمل فيها المواصلات العامة في حوالي 20% من أيام السنة، بمعنى أيام سبت وأعياد، وأن هذه الأنظمة هي ضربة موجهة للشرائح الفقيرة. وتتوقف حركة المواصلات العامة في المدن وبين المدن قبل ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات من غروب شمس يوم الجمعة، وبعد أكثر من ساعة ونصف الساعة من غروب شمس يوم السبت.

وتعد قضية السبت اليهودي والقوانين المتعلقة بها، واحدة من القضايا الخلافية الحارقة بين جمهوري العلمانيين والمتدينين في إسرائيل، ومنذ عشرات السنين لم يتوقف الجدل حول المسموح والممنوع دينيا في أيام السبت.

وتبدأ قوانين الاكراه في تعريف اليهودي، إذ في إسرائيل ما يقارب 380 ألفا ترفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهوديتهم، كما أن التشدد يسري على شروط الزواج، وسنويا هناك المئات من الأزواج الذين ترفض المؤسسة زواجهم، ما يضطرهم لعقد زواج مدني خارج إسرائيل. ومن أبرز القضايا مسألة "الحلال" في الأغذية. وحسب دراسات وأبحاث كثيرة فإن شروط الحلال، وتكلفة شهادة الحلال من المؤسسة الحاخامية، ترفع أسعار المواد الغذائية بنحو 30 بالمئة، مقارنة بالأسعار في الدول المتطورة، ويبرز الأمر في اللحوم ومشتقات الألبان.

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد سمحت قبل بضعة أسابيع لبعض شبكات تسوق الأغذية، التي تخلت عن شهادة الحلال، بالعمل في مدينة تل أبيب، بعد أن أبطلت المحكمة قرار وزير الداخلية بإغلاقها. إلا أن مسألة المواصلات العامة بقيت عالقة من دون حل، وكانت حكومة بنيامين نتنياهو المنتهية ولايتها قد عارضت مشروع قانون يقضي بتحرير حركة المواصلات العامة أيام السبت.

وقضية الإكراه الديني هي خلاف خفي ولا يجاهر به بين العلمانيين والمتدينين حول قانون "دولة القومية اليهودية" العنصري، الذي يستهدف الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، ولكن القانون يشمل بنودا تجعل من الشريعة مرجعية لجهاز القضاء في حال ظهرت ثغرات في اي قانون ما، كما أنه سيكون مرجعية لتشريعات أخرى. ويرى العلمانيون بهذا البند عقبة أمام احتمال إلغاء قوانين الإكراه الديني مستقبلا ويعطي القوى الدينية قوة فوق العادة في سن القوانين.