البحث الذي يستند إلى تحليلات مختصين يؤكد أن عمل "متطوعي الخدمة المدنية" سيأتي على حساب العاملين الذين لا مؤهلات علمية ومهنية لديهم حسب التقديرات، عدد "المتطوعين العرب" تجاوز 4 آلاف شخص، و90% منهم من الفتيات، وهذا من أصل 17 ألف متطوع في العام الجاري

أكد بحث إسرائيلي جديد أن ما يسمى بـ "الخدمة المدنية" أو "الخدمة الوطنية" البديلة للخدمة العسكرية الإسرائيلية قد تكون على حساب أماكن عمل الضعفاء، خاصة أولئك الذين لا مؤهلات علمية ومهنية لهم، ويتقاضون أجورا زهيدة، إذ أن اصحاب المؤسسات سيفضلون "المتطوعين" العابرين، الذين يتقاضون حتى 200 دولار شهريا، على عاملين ثابتين بأجور قانونية.

ويتزايد الحديث في إسرائيل من عام إلى آخر، حول ما يسمى بـ "الخدمة المدنية"، التي ما تزال طوعية، إلا أن جهات إسرائيلية كثيرة تدعو إلى جعلها الزامية، على كل من لا يسري عليه قانون التجنيد الالزامي، أو تلقى إعفاء من الجيش لسبب ما.

والشريحتان الأكثر استهدافا في هذا المخطط هم المتدينون اليهود المتزمتون "الحريديم" والعرب.

فالحريديم الذين لم يسر عليهم قانون التجنيد الالزامي، حتى قبل عام ونصف العام، أقرت الحكومة المنتهية ولايتها ومعها الكنيست، قانونا يفرض عليهم الخدمة من جديد، إلا أن تطبيقه يواجه عراقيل كبيرة، نظرا لاعتراض الحريديم عليه، وبحسب كل المؤشرات فإنه سيتم تفريغ القانون من مضمونه في دورة الكنيست الجديدة.

أما العرب فهم خارج دائرة التجنيد الإلزامي، باستثناء أبناء الطائفة العربية الدرزية الذين يُفرض عليهم القانون قسرا.

وتجعل حكومات إسرائيل من عدم الخدمة العسكرية ذريعة لسياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في الداخل، تحت شعار "تقاسم العبء".

إحصائيات "الخدمة"

ويقول تقرير صادر عن سلطة "الخدمة المدنية- الوطنية"، إنه حتى مطلع العام الجاري- 2015، كان مسجلا ما يزيد بقليل عن 17 ألف شاب وشابة في الخدمة المدنية، التي تستمر لمدة عام أو عامين، حسب رغبة "المتطوع". وتقول المعطيات ذاتها إن العرب من بين هؤلاء كان عددهم 4157 متطوعا، وأن 90% من هؤلاء من الفتيات.

ويقول بحث آخر، أجراه قسم الأبحاث في الكنيست، إن عدد "المتطوعين" العرب في الخدمة المدنية، حتى مطلع العام الماضي- 2014 - بلغ 3784 شابا وشابة. ويؤكد هذا البحث أيضا أن 90% من المتطوعين هم من الفتيات. وفي حين يقول بحث الكنيست إنه في العام 2014، كان أبناء 18 عاما 33400 شاب وشابة، إلا أن هذا يشمل فلسطينيي القدس المحتلة، ومعهم مئات قليلة جدا في مرتفعات الجولان السوري المحتلة، بمعنى أن عدد أبناء 18 عاما من فلسطينيي 48، يتجاوز 28 ألفا بقليل.

لكن حسب المعرفة الميدانية، فإن "المتطوعين" العرب في الخدمة المدنية هم من شريحة عمرية تتراوح ما بين 18 إلى 22 عاما، إذ أن قسما كبيرا منهم يختار التوجه في وقت "متأخر"، نتيجة انسداد أبواب التعليم والعمل في وجهه، فيغرق في وَهمْ الخلاص عبر "الخدمة المدنية". كذلك فإن نسبة عالية من "المتطوعين" العرب، تأتي من جمهورين فيهما نسبة عالية للخدمة العسكرية: العرب الدروز، والعرب أبناء العشائر البدوية في الشمال والجنوب.

أما بالنسبة للحريديم، فقد بلغ عدد المتطوعين حتى نهاية العام 2014، أقل من ألفي شخص، وهو بحسب السلطة ذاتها يتماشى مع الهدف الذي وضعته الحكومة. إلا أن تقريرا آخر أشار في الأسابيع الأخيرة إلى تراجع حاد في أعداد الحريديم، الذين يتوجهون للخدمة المدنية، بعد ظهور مؤشرات إلى تراجع الحكومة المقبلة عن مخطط فرض الخدمة العسكرية الإلزامية عليهم.

فرص العمل

في السنوات الأخيرة زادت المطالبات في الحلبة الإسرائيلية لفرض ما يسمى بـ "الخدمة المدنية- الوطنية"، حسب التسمية الجديدة، على العرب والحريديم، وكل واحد من الجمهورين يرفض الأمر من منطلقاته، فالحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية يرفضون أيضا ما هو بديل عنها، وكل هذا من منطلقات دينية تخصهم. ورغم ذلك فإن مئات منهم تنخرط سنويا في هذه "الخدمة" حسب المعطيات الرسمية.

في المقابل، فإن منطلقات العرب هي بالأساس سياسية وطنية، ويؤكدون أن هذه الفكرة تنبع من مخططات تاريخية لتدجين العرب وأسرلتهم، وجعلهم خدما للجيش الذي يحتل ويقتل شعبهم. ويضاف إلى هذا الأساس أيضا تفسيرات أخرى، ومنها أن المجتمع العربي منكوب أصلا بقلة فرص العمل، والعراقيل الكبيرة أمام انخراطهم في قطاع العمل المنظم، لذا فإن تشغيل آلاف من الشبان "تطوعا" في مؤسسات منظمة، سيكون على حساب أماكن عمل بالإمكان أن تستوعب عمالا منظمين.

وفي الأيام الأخيرة، صدر بحث في كتاب أجراه البروفسور ياغيل ليفي، رئيس مسار الماجستير في موضوع الديمقراطية في الجامعة الإسرائيلية المفتوحة، وهو خبير في علاقة الجيش بالمجتمع والسياسة.

ويؤكد البحث أن الوظائف التي سيشغلها "المتطوعون في الخدمة المدنية" من شأنها أن تشكل تهديدا للقوة العاملة المنظمة في العديد من المؤسسات، وقد يقود الأمر إلى إغراق سوق العمل بعشرات آلاف الشبان، الذين يعملون تطوعا، وبأجور رمزية (حتى 200 دولار شهريا)، ما قد يؤدي إلى اختلال التوازن في سوق العمل.

ويقدم الباحث أمثلة نموذجية لأعمال تشغلها عادة الشريحة الأضعف من جمهور العاملين، أولئك الذين لا شهادات تعليمية ولا مهنية بحوزتهم، مثل طواقم العمل المساعدة في المستشفيات والمرافق الصحية، أو مراقبين ميدانيين في أماكن مثل وزارة البيئة وغيرها من الأعمال الشبيهة، التي إن لم يكن متطوعون يشغلونها، لكانت تلك المؤسسات قد استوعبت آلاف العاملين لإشغالها، وبرواتب منظمة، حتى وإن كانت في إطار الحد الأدنى للأجر.

ويقول الباحث ليفي إن التلويح بفرض "الخدمة المدنية" كخدمة إلزامية لم يتحول إلى واقع حتى الآن، ولكن هذا قد يحدث، كما هي الحال في سويسرا، فمن لا تسري عليه الخدمة العسكرية يتجه فورا إلى الخدمة المدنية الإلزامية، وهذا ما كان في ألمانيا حينما كانت الخدمة العسكرية إلزامية. ويشدد على أنه في حال بات هذا أيضا في إسرائيل، فستكون له انعكاسات سلبية على سوق العمل. ويضيف أنه منذ الآن وقبل جعل الخدمة إلزامية باتت هناك انعكاسات سلبية على سوق العمل.

ويعتمد ليفي في بحثه على رأي موظفين بارزين في وزارة الاقتصاد، هما أساف مالحي وبيني بابيرمان، اللذين اعترضا على خطة الوزير نفتالي بينيت القاضية بتوسيع دائرة "الخدمة المدنية". وكانا قد حذرا من أن "جيش المتطوعين الجديد" سيأتي مكان العاملين براتب في أماكن العمل المختلفة، وبالأساس وظائف اللامهنيين في الفروع الأكثر استيعابا لمتطوعي "الخدمة المدنية"، التعليم والصحة والرفاه.

ويؤكد الموظفان أن في هذا المشروع ما يمس بالمبدأ القائل إن المتطوعين لا يعملون في وظائف تستوعب عاملين برواتب، وبذلك سيكون أول ضحايا هذا المشروع الشريحة الضعيفة التي لا مؤهلات علمية ولا مهنية لديها.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, نفتالي بينيت