المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

إن اتساع التحقيقات في شبهات الفساد في محيط حزب "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)"، والاعتقالات الأخيرة التي شملت مستشارا إعلاميا ومسؤولين كبار سابقين في سلك خدمات الدولة ومدير مكتب مدير عام وزارة سابق، وأضيفت إلى اعتقال ثلاثة ناشطين في مجموعات ضغط برلماني (لوبي) أطلق سراحهم لاحقا (بشروط- الترجمة)- كل هذا يدل على الحاجة إلى إعادة التفكير بشأن العلاقات بين المستشارين الإعلاميين والاستراتيجيين ومستشاري الدعاية والمحامين وناشطي مجموعات الضغط، وبين الوزراء وأعضاء الكنيست وموظفين كبار في أجهزة الدولة.

التقارب بين هاتين المجموعتين تعاظم على مر السنين، وفي أحيان كثيرة هي علاقة ليست صحية، فقسم كبير من المستشارين الاستراتيجيين، ومديري العلاقات العامة، والعاملين في مجموعات الضغط، كانوا في ما مضى مساعدي أعضاء كنيست أو وزراء، وحينما انتقلوا للعمل في الطرف الآخر اهتموا بالحفاظ على باب مفتوح مع كل من عرفوه خلال فترة عملهم السابقة، من أجل مساعدة زبائنهم الجدد.

والعلاقة بين الجانبين في حالات كثيرة تكون متبادلة، فمن جهة يوظف أعضاء الكنيست مستشارين إعلاميين ومستشارين استراتيجيين وآخرين متخصصين في بلورة الشخصية كي يساعدوهم في الانتخابات الداخلية في أحزابهم (البرايمرز)، بينما الوزراء يوظفون أمثال هؤلاء خلال ولايتهم على حساب ميزانية وزارتهم، ومن جهة ثانية فإن المستشارين يتوجهون إلى أعضاء الكنيست والوزراء بهدف دفع مصالح زبائنهم في أروقة الحكم، وحتى في العديد من الأحيان يقدمون لأعضاء الكنيست مشاريع قوانين جاهزة تتجاوب مع مصالح زبائنهم، فهل يستطيع عضو الكنيست أو الوزير رفض طلب من يساعده على الدخول إلى الكنيست أو الحكومة؟.

في إطار تحقيقات الشرطة في قضية الفساد يجري فحص شبهات بأن المستشارين والعاملين في مجموعات الضغط كانوا مشاركين في تجنيد أموال حكومية لصالح مؤسسات وجمعيات، مقابل الحصول على جزء من الأموال، أو تحويل جزء من الأموال الحكومية إلى مقربين حزبيين. كذلك يجري فحص شبهات حول أن مستشارين إعلاميين دفعوا رشاوى لجهات في سلك خدمات الدولة، مقابل ميزانيات لمؤسساتهم، والفوز بعطاءات لتنفيذ مشاريع للوزارات المختلفة.

هذه التحقيقات الجارية يجب أن تضيء ضوءا أحمر، فالسدود التي عليها أن تفصل بين المستشارين وبين منتخبي الجمهور علوّها ليس كافيا، وحتى الآن بالإمكان الالتفاف عليها بسهولة تامة. فمثلا، القانون الذي يضع ضوابط لعمل مجموعات الضغط، ويلزم كل عامل في هذه المجموعات أن يكشف عن أسماء زبائنه، يسري فقط على عمل هؤلاء داخل مبنى الكنيست وليس خارجه، فإذا ما قرر أحد عاملي مجموعات الضغط أن يكون "خارج نطاق جهاز رادار" الجمهور ووسائل الإعلام، فعليه ضمان اقناع الوزراء وأعضاء الكنيست وكبار المسؤولين، خارج مبنى الكنيست، دون أن يكون ملزما بتقديم تقرير شفاف حول طبيعة عمله ومن يقف من ورائه.

ومن أجل اقتلاع الظاهرة، على المستشار القانوني للحكومة بلورة أنظمة جديدة، يصادق عليها الكنيست والحكومة بطبيعة الحال، من أجل تقييد نشاط المستشارين على اشكالهم بين منتخبي الجمهور والزامهم بشفافية أكبر.

وبداية، يجب توسيع نطاق قانون تقييد عمل مجموعات الضغط، وألا يقتصر فقط على عاملي هذه المجموعات، بل أن يشمل أيضا المستشارين الاستراتيجيين، والناطقين، ومديري العلاقات العامة، ومراقبي الحسابات، والمحامين الذين يقدمون استشارات لمنتخبي جمهور من وزراء وأعضاء كنيست ومسؤولين كبار في مؤسسات الدولة، وأن يسري هذا ليس فقط على مبنى الكنيست بل خارجه أيضا. كذلك على كل واحد من العاملين في مجموعات الضغط، والمستشارين على أنواعهم، أن ينشر في موقع الكنيست أسماء كافة الزبائن الذين يمثلهم، ليكون واضحا أمام أجهزة الحكم، وأن يقدم في كل فصل تقريرا حول مصالح زبائنه الخاصة التي يريدون دفعها من خلال منتخبي الجمهور، مثلا المساعدة في تجنيد أموال عامة لصالح جمعية، أو نشاط مخالف لقانون ما.

في الوضع القائم يرفض قسم من العاملين ضمن مجموعات الضغط المسجلين في موقع الانترنت التابع للكنيست، كشف أسماء الجهات التي يعملون لصالحها، مثلا خلال مشاركتهم في جلسات لجنة المالية البرلمانية، وقسم كبير من هؤلاء العاملين ينشطون بشكل خفي، ولا أحد يعرف ما هي المصالح التي يريدون تحقيقها لدى توجههم لمنتخبي الجمهور.

كذلك يجب اعتبار كل عمل ضمن مجموعة ضغط غير معلنة لإدارة الكنيست وفي موقعه في الانترنت على أنه مخالفة جنائية، وأن يكون على كل عامل ضمن مجموعات الضغط أن ينشر في موقع الكنيست كافة الوثائق والمستندات التي يوزعها على أعضاء الكنيست، ولو كان عضو كنيست واحد، وأيضا الوزراء وكبار المسؤولين في مؤسسات الدولة.

وفي المقابل، على أعضاء الكنيست والوزراء أن يعرضوا في موقع الكنيست تقريرا فصليا حول لقاءاتهم مع مجموعات الضغط، وذوي المسؤوليات في القطاع الاقتصادي الخاص، الذي طلبوا من الوزراء والنواب دفع وإقرار إجراءات اقتصادية أيا كانت، وبهذا الطريقة بالإمكان أن نعرف إذا ما رئيس الوزراء أو وزير المالية، أو أي وزير آخر، أو عضو كنيست، قد التقى مع حيتان المال، أو ممثليهم، قبيل التصويت على قوانين وقرارات تتعلق بهم.

إضافة إلى هذا يجب تعميق الشفافية، والزام اعضاء الكنيست بالكشف عن مصالحهم الاقتصادية، والكشف عن أسماء الجهات التي كانوا معها على اتصال في حياتهم العملية، قبل أن يتولوا مناصبهم في الكنيست والحكومة، كي يكون بإمكان الجمهور أن يتابع ويفحص عملهم، بما يرتبط مع ماضيهم ومصالحهم، وفحص ما إذا هناك تضارب مصالح خلال عملهم البرلماني والحكومي.

ويجب الحظر على الوزراء والوزارات والمؤسسات الحكومية شراء خدمات مستشارين خارجيين من خارج سلك خدمات الدولة، مثل استشارات قضائية واعلامية واعلانية وغيرها من الاستشارات، تحسبا لارتباط مستشارين بجهات لها مصالح في توجهات ما في عمل الوزراء وأعضاء الكنيست.

إن تبني هذه الإجراءات من شأنه أن يساعد أعضاء الكنيست على منع تفشي حالات الفساد، وأن يقلص الرابط بين منتخبي الجمهور بين المصالح الغريبة، ويلجم تخصيص موارد وميزانيات حكومية لمقربين، اضافة إلى منع تبذير أموال الجمهور على شراء خدمات المستشارين.

على دورة الكنيست الـ 20 أن تفتتح بقدمها اليمين مع إصرار حازم على لجم الظواهر القبيحة هذه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى سيكون الوزراء وأعضاء الكنيست، الذين يلوحون بنظافة اليد، على استعداد للتعاون في هذا المجال، والموافقة على الكشف عن لقاءاتهم، وقطع علاقاتهم المتشعبة مع المستشارين على أنواعهم، أم أنهم سيختارون الاستمرار في إطلاق الشعارات، ولكنهم على أرض الواقع سيستمرون في النهج ذاته؟.

(عن "ذي ماركر"- بتصرف)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات