المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

التضخم سجل تحركا طفيفا على مدار العام كله إلا أن "ما زاد الطين بلّة" التراجع الحاد في أسعار الوقود وتراجع في أسعار المواد الغذائية في العالم *عدد كبير من دول العالم شهدت أيضا تراجعا في التضخم* احتمال تسجيل نسبة نمو اقتصادي أعلى للعام الماضي بعد تعديل نسبة النمو في الربع الثالث* العجز 8ر2% من الناتج العام ولولا الصرف الزائد المخطط في الشهر الأخير لكان العجز نصف النسبة

سجل التضخم المالي في إسرائيل خلال العام الماضي- 2014، تراجعا بنسبة 2ر0%، بعد أن سجل الشهر نفسه من العام الماضي نسبة صفر بالمئة في التضخم، وهذا هو أول عام منذ العام 2006 يتم فيه تسجيل تضخم "سلبي"، وهو انعكاس لحالة التباطؤ الاقتصادي التي يشهدها الاقتصاد الإسرائيلي في العامين الماضيين، لكن بشكل خاص العام الماضي.

وحسب تقرير مكتب الإحصاء المركزي فإن سلة المشتريات للشرائح الفقيرة، وعادة ما تكون سلة المشتريات الحياتية الأساسية، قد تراجعت أسعارها بنسبة 1%، في حين أن سلة المشتريات، للشرائح الميسورة، ارتفعت بنسبة 2ر0%.

وقال التقرير إن العام الماضي كان شاذا في حجم تراجع الأسعار في إسرائيل والعالم.

وجاء في التقرير أن عددا من دول العالم المتطورة شهدت هي أيضا تراجعا في التضخم، فمثلا في دول الاتحاد الأوروبي، التي تبنت عملة "اليورو"، تراجع التضخم بنسبة ممثلة لتلك التي تراجع فيها في إسرائيل- 2ر0%، وفي جزيرة قبرص تراجع التضخم بنسبة 5ر1%، وفي اليونان، التي ما تزال تصارع الأزمة الاقتصادية، تراجع فيها التضخم بنسبة 6ر2%، وفي بلغاريا بما يقارب 1%، وعلى الرغم من أن لكل دولة ظروفها، إلا أن الأمر المميز في جميع هذه الدول، التراجع الحاد في أسعار الوقود وأسعار المواد الغذائية، التي تراجعت في مصادر موادها الخام، وحسب التقديرات فإن هذا الوضع لن يستمر في العام الجاري- 2015.

وهذا هو التراجع الثالث للتضخم في السنوات الـ 11 الأخيرة، فقد تراجع التضخم في العام 2003 بنسبة حادة بلغت 9ر1%، وهو العام الذي شهد أزمة اقتصادية عميقة، بفعل الانتفاضة الثانية، وتدهور الأوضاع الأمنية، والمرة الثانية للتضخم "السلبي" كانت في العام 2006، إذ تراجع التضخم بنسبة 1%، ولكن كان ذلك عام نمو اقتصادي قارب 4ر5%، وتراجع حاد للبطالة، وشكّل تراجع الأسعار اشارة إلى حالة ازدهار اقتصادي، بخلاف عن حالة الاقتصاد في العام المنتهي 2014 الذي شهد حالة تباطؤ اقتصادي، وكان النمو بنسبة 6ر2% وفق التقديرات الأولية.

ثم كانت ثلاث سنوات متتالية من 2007 وحتى العام 2009، سجل فيها التضخم نسبة أعلى من مجال التضخم الذي تريده السياسة الاقتصادية القائمة، من 1% إلى 3%. ففي العام 2007 كان التضخم بنسبة 4ر3%، وفي العام 2008 بنسبة 8ر3%، وفي العام 2009 بنسبة 9ر3%، ثم أربع سنوات كان فيها التضخم في المجال المحدد، ففي العام 2010 بلغت النسبة 7ر2%، وفي العام 2011 بلغت 2ر2%، وهبطت في العام 2012 إلى نسبة 6ر1%، وفي العام 2013 بلغت النسبة 8ر1%، وكما ذكر ففي العام الماضي 2014، تراجع التضخم بنسبة 2ر0%.

وبالإمكان القول إن القلق في الأوساط الاقتصادية قائم أيضا بالنسبة للعام الجاري، لأن وتيرة التضخم في النصف الثاني من العام الماضي كانت منخفضة، أقل مما كانت عليه في النصف الأول من نفس العام، ولهذا فإن الاعتقاد الزائد أن هذه الوتيرة ستستمر في الأشهر الأولى من هذا العام، خاصة في ظل غياب مؤشرات لانتعاش اقتصادي، وانتعاش في الحركة الشرائية.

ويرى المحللون أن ابتعاد التضخم المالي عن الحد الأدنى المحدد 1% بهذا الحد، هو مؤشر خطير لاقتراب إسرائيل من حالة الركود الاقتصادي.

ويقول المحلل موطي باسوك، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن "إسرائيل لم تذكر حياة يسودها تراجع تضخم مالي مستمر، ولكن في دول أخرى مثل اليابان يذكرون جيدا مثل هذه الحالة، فتراجع التضخم لمدى قصير هو أمر جيد للمواطنين، لأن هذا يعني أن الأسعار تتراجع، وحتى أنه إلى مدى معين جيد للاقتصاد، ولكن خلافا لهذا فإن تراجع التضخم على مدى طويل قد يكون هدّاما للاقتصاد، لأنه في وضعية كهذه، فإن جهات اقتصادية وعائلات يؤجلون مشترياتهم، اعتقادا منهم أن الأسعار ستتراجع أكثر، ما يؤدي إلى تراجع في الحركة الشرائية، وإلى مزيد من تراجع الأسعار، وما قد يؤدي في حالات معينة إلى إفلاس مرافق اقتصادية، يليها فصل من العمل ثم اضرابات وشلل اقتصادي".

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر إن الاقتصاد الإسرائيلي شهد في ما مضى حالة تضخم قريبة للصفر، ولكن هذا كان انعكاسا لنمو اقتصادي، ويذكر خاصة العامين 2000 و2006، ويقول إن التضخم "الصفري" في ذلك العامين كان بسبب انخفاض أسعار البيوت، بسبب كثرة العرض، وهو الذي شد التضخم إلى محيط صفر بالمئة، بينما الفروع الأخرى في سلة المشتريات شهدت ارتفاعا بالأسعار، مشيرا إلى أن النمو في العام 2000 سجل نسبة 8%، وفي العام 2006 نسبة 5ر5%، أما التضخم الآن فيعكس حالة تباطؤ شديد في السوق، وأسعار البيوت في ارتفاع.

بنك إسرائيل والفائدة

بطبيعة الحال، فإن الأنظار تتجه فور إعلان التقرير الشهري للتضخم المالي إلى بنك إسرائيل المركزي، واللجنة الخاصة التي تعلن عن نسبة الفائدة البنكية للشهر التالي، إلا أن الفائدة ترسو الآن عند أدنى مستوى لها في تاريخ المؤسسة الإسرائيلية- 25ر0%، ولا يبدو أن محافظة بنك إسرائيل تنوي تقريب هذه الفائدة إلى الصفر أكثر، كما كانت قد اشارت من قبل، فالتضخم في الشهر الأخير من كل عام يكون عادة متدنيا، بفعل تراجع الأسعار الموسمي.

وبحسب المحلل باسوك، فإن بنك إسرائيل المركزي يواجه شبه معضلة، إذ أنه لم ينجح في الحفاظ على المجال المطلوب للتضخم ضمن السياسة الاقتصادية القائمة. ويشير باسوك أيضا إلى أن إسرائيل شهدت في شهر كانون الثاني، الأول من هذا العام، انخفاضا بنسبة تقارب 9% في أسعار المياه، بينما ستتراجع أسعار الكهرباء في الشهر المقبل، شباط، بنسبة تقارب 10%، وسيخفّض هذان التراجعان من التضخم بنسبة 4ر0%، ما يزيد أكثر من تعقيدات التضخم "السلبي".

وقد سارع البنك المركزي للقول إنه لم يتوقع أحد في العالم هذا التراجع الحاد في أسعار النفط وبالتالي الوقود في العالم، وإن البنك خفض الفائدة البنكية من 1% في مطلع العام 2014، إلى 25ر0% في الشهر التاسع من العام الجاري، وما تزال الفائدة عند المستوى ذاته.

نسبة النمو ليست نهائية

من جهة أخرى، أعلن مكتب الإحصاء المركزي عن تعديل تقريره للنمو الاقتصادي في الربع الثالث من العام الجاري، إذ أعلن قبل ما يزيد عن الشهرين أن الاقتصاد الإسرائيلي سجل في الربع الثالث من العام الماضي، انكماشا بنسبة 4ر0%، وقد ضجت الحلبة الإسرائيلية بهذا التقرير، إلا أن التقرير الجديد الصادر في الأسبوع الماضي بيّن أن النمو سجل ارتفاعا طفيفا في الربع الثالث بنسبة 2ر0%، ما قد ينعكس على نسبة النمو الإجمالية للعام الماضي 2014، لدى الإعلان عنها نهائيا حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام.

وكان مكتب الإحصاء قد أعلن في مطلع العام الجاري أن نسبة النمو الاجمالية في العام الماضي، كتقدير أولي، كانت نحو 6ر2%، ومن شأن التعديل في الربع الثالث أن يؤدي إلى تعديل نسبة النمو الاجمالية المعلنة، رغم أنها جاءت أعلى من التوقعات الأخيرة نوعا ما.

وكانت آخر توقعات المؤسسات الاقتصادية الرسمية والاستثمارية قد أشارت إلى أن النمو الاقتصادي سيكون العام الماضي ما بين 2% إلى 4ر2% كأقصى حد، وكانت توقعات بنك إسرائيل تشير إلى 3ر2%، بدلا من 9ر2% في مطلع العام 2014، بينما كانت تقديرات وزارة المالية تشير إلى 4ر2%، واتفقت التقديرات كلها على أن نسبة النمو ستكون أعلى في العام الجاري 2015، إذ بحسب بنك إسرائيل ستكون النسبة 3%، وشبيهة بنمو العام 2013، بينما قالت وزارة المالية إن نسبة النمو هذا العام ستكون في حدود 8ر2%.

وجاء في تقرير مكتب الإحصاء أن معدل الناتج للفرد سجل ارتفاعا بنسبة طفيفة بلغت 7ر0%، وبالعملة المحلية 5ر132 ألف شيكل للفرد، وهو ما يعادل أقل بقليل من 34 ألف دولار، وفق معدل سعر صرف الدولار القائم في الأيام الأخيرة- 94ر3 شيكل للدولار. ولا يمكن مقارنة الناتج للفرد، بالدولار، مع العام قبل الماضي 2013، نظرا لارتفاع سعر الدولار خلال عام بنحو 13%.

العجز أقل من المخطط

في المقابل، تبين أن العجز في الموازنة العامة في العام الماضي بلغ 8ر2% من اجمالي الناتج العام، بدلا من 3% كما كان مخططا، وهو العجز الأقل منذ العام 2008. وكان من الممكن أن لا يتعدى العجز في العام الماضي نسبة 4ر1%، إلا أن الحكومة وكعادتها، استغلت التخطيط لنسبة عجز أعلى، وأقدمت على صرف ميزانيات كانت مخططة، إلا أنها لم تصرف، وبضمن ذلك جرى تحويل ميزانيات تعد "فائضا" في وزارات مختلفة إلى ميزانية الجيش، التي تلقت في العام الماضي ما يزيد عن 1ر2 مليار دولار، اضافة إلى الميزانية القائمة، وجزء من هذه الزيادة كان لتغطية قسم من مصروفات العدوان الأخير على غزة، في صيف العام الماضي.

وحسب تقرير وزارة المالية، فإن حجم العجز العام بلغ 7ر7 مليار دولار، وقد أقدمت الحكومة على صرف 95ر3 مليار دولار من هذا العجز في الشهر الأخير من العام الماضي، استغلالا للقرار القائم في الحكومة والكنيست.

وخلافا لكل التوقعات فقد سجلت مداخيل الضرائب في العام الماضي زيادة بنسبة 4% عما كان مخططا، إذ كانت التوقعات تتحدث عن أن جباية الضرائب ستكون أقل من المخطط، ما كان من شأنه أن يزيد العجز في الموازنة العامة، وحسب تقرير سلطة الضرائب، فقد بلغ مجموع الضرائب حوالي 64 مليار دولار.

يذكر أن التخطيط لميزانية 2015، التي لم يقرها الكنيست وقد يقرها في الصيف المقبل سوية مع ميزانية العام 2016، هو أن يبلغ العجز في الموازنة العامة نسبة 4ر3% من إجمالي الناتج العام. وتقول صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن جزءا من هذا التخطيط كان بناء على الاعتقاد بأن مداخيل الضرائب في العام 2014 ستكون أقل من المتوقع، ولذا جرى الأخذ بالحسبان ارتفاع العجز في 2014، لدى تخطيط عجز 2015، إلا أن المعطيات الجديدة من شأنها أن تلجم عجز 2015، خاصة وأن التوقعات تشير إلى أن النمو الاقتصادي سيكون أعلى بقليل مما كان في العام الماضي.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات