ركزت عدة وسائل إعلام إسرائيلية على أن الزيارتين اللتين قام بهما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هذا الشهر إلى فرنسا وهنغاريا اشتملت من ضمن أمور أخرى على إعلان وجهة نظر حيال أوروبا والولايات المتحدة فحواها- كما كتب رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن- أن من يريد تأييد إسرائيل، يجب عليه أن يقبلها كما هي، مع الاحتلال والمستوطنات. ومن يقبل بإسرائيل فقط ضمن حدود الخط الأخضر مثل الاتحاد الأوروبي فهو مجنون.

 

وجاء هذا التركيز بعد أن قال نتنياهو في تصريحات أدلى بها إلى مراسلي وسائل الإعلام الإسرائيلية الذين رافقوه خلال زيارته إلى فرنسا، إن إسرائيل تعارض بشدة اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية لكونه يرسخ الوجود الإيراني في سورية. وأشار إلى أنه أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الاجتماع الذي عقد بينهما أن إسرائيل تعارض بشكل جارف الاتفاق الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا بشأن الحرب الأهلية في سورية.

وكانت إسرائيل أجرت خلال الشهر الأخير محادثات مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية حول هذا الاتفاق طرحت خلالها تحفظاتها منه، وطالبت بإقامة منطقتين عازلتين من أجل إبعاد قوات إيران وحزب الله عن الحدود بين سورية والأردن وعن منطقة هضبة الجولان. كما أبدت إسرائيل تحفظها من تكليف قوات الجيش الروسي بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في مناطق قريبة من الجولان والحدود مع الأردن. وقام نتنياهو بالاتصال هاتفياً مع كل من وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأبلغهما موقف إسرائيل من الاتفاق.

وقال نتنياهو في تصريحات أدلى بها في مستهل الاجتماع الذي عقدته الحكومة الإسرائيلية يوم 2 تموز الحالي، إن بوتين وتيلرسون أوضحا أنهما يتفهمان مواقف إسرائيل بهذا الشأن وأكدا أنه سيتم أخذ مطالبها بالحسبان.

غير أن مسؤولين كبار في القدس أكدوا أنه بعد الاطلاع على الاتفاق النهائي تبين أنه خلافاً للتوقعات الإسرائيلية، لم يأخذ الأميركيون ولا الروس المواقف الإسرائيلية في الحسبان. ووصف أحد هؤلاء المسؤولين الاتفاق بأنه سيء لإسرائيل وأشار إلى أنه لم تكتب في الاتفاق كلمة واحدة واضحة عن إيران أو حزب الله أو الميليشيات الشيعية في سورية.

وتحدث نتنياهو خلال اجتماعه مع ماكرون عن قلق إسرائيل حيال هذا الاتفاق وحيال الوضع في لبنان، وطلب أن يمارس الرئيس الفرنسي تأثيره على الحكومة اللبنانية في كل ما يتعلق بنشاط حزب الله في لبنان وخصوصاً في الجنوب.

وقال ماكرون بعد اجتماعه مع نتنياهو إنه يشارك إسرائيل قلقها حيال نشاط حزب الله في جنوب لبنان وحيال السلاح الموجود بحيازة الحزب. وتعهد بمحاولة الدفع قدماً بعملية دبلوماسية من أجل كبح خطورة هذا التهديد.

وردّاً على ذلك قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا والولايات المتحدة ستبذلان كل ما في وسعهما لتلبية حاجات إسرائيل الأمنية في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية، ولا سيما إقامة منطقتين عازلتين في الحدود بين سورية وإسرائيل وفي الحدود بين سورية والأردن.
وأشار لافروف إلى أن روسيا والولايات المتحدة استشارتا إسرائيل في ما يتعلق بالاتفاق وأخذتا في الاعتبار المصالح الإسرائيلية.

من ناحية أخرى، شنّ نتنياهو هجوماً حادّاً على الاتحاد الأوروبي استخدم خلاله عبارات قاسية غير مألوفة بسبب معاملة الاتحاد لإسرائيل، وحث قادة دول وسط أوروبا (مجموعة دول منطقة فيسيغراد) على استخدام تأثيرهم في هذا الاتحاد للتخفيف من الشروط التي يضعها لتعزيز علاقات دوله الثنائية مع إسرائيل.

وأتى هجوم نتنياهو هذا في اجتماع مغلق مع رؤساء حكومات دول منطقة فيسيغراد وهي هنغاريا وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا عُقد في بودابست وشارك فيه رئيس الحكومة الهنغارية فيكتور أوربان، ورئيس الحكومة التشيكية بوهوسلاف سوبوتكا، ورئيسة الحكومة البولندية بياتا سيدلو، ورئيس الحكومة السلوفاكية روبرت فيتسو، وتم بث محتواه من طريق الخطأ للصحافيين خارج الغرفة.

وقال نتنياهو إن الحفاظ على أمن أوروبا ومستقبلها الاقتصادي يتطلب سياسة مغايرة تجاه إسرائيل، وحث قادة هنغاريا وسلوفاكيا وتشيكيا وبولندا على إغلاق حدود بلادهم أمام اللاجئين من أفريقيا والعالم العربي، وأشاد بموقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوي إزاء إيران وسورية.

وأضاف نتنياهو قبل أن ينتبه المسؤولون إلى أن الصحافيين يسمعون محادثتهم المغلقة، أن الاتحاد الأوروبي هو المنظمة الدولية الوحيدة في العالم التي تشترط في علاقاتها مع إسرائيل التي تنتج التكنولوجيا في كل المجالات، إحراز تقدم في العملية السلمية مع الفلسطينيين، ووصف ذلك بأنه جنون. وأشار إلى أن الصين وروسيا والهند تربطها علاقات خاصة مع إسرائيل لا تتوقف على تقدّم العملية السلمية، وأوضح أنه أجرى محادثات مع قادة هذه الدول قالوا فيها إنهم معنيون بما لدى إسرائيل لتقدمه لهم متجاهلين القضية العالقة مع الفلسطينيين.

وأكد نتنياهو أن إسرائيل تعتبر الدولة الغربية الوحيدة التي تدافع عن القيم والمصالح الأوروبية وتمنع هجرة جماعية أخرى إلى أوروبا. وقال: "نحن نشكل جزءاً من الثقافة الأوروبية. وتنتهي أوروبا في إسرائيل، فهي لا تصل إلى المناطق الواقعة شرقي الدولة".

وتطرّق رئيس الحكومة إلى الوضع الجيو- سياسي في الشرق الأوسط، فقال إنه كانت لإسرائيل مشكلة كبيرة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وسياساتها المترددة تجاه إيران وسورية، وهي تشعر الآن بارتياح أكبر مع خليفته ترامب. وقال "أعتقد أن الأمر مختلف الآن. وهناك موقف أكثر قوة إزاء إيران. كما أن الولايات المتحدة تقوم بشنّ هجمات بالقنابل في سورية، وهذا أمر ايجابي. أعتقد أن الوضع جيّد في ما يتعلق بداعش لكن ليس على ما يرام حيال إيران".

وأوضح نتنياهو أن إسرائيل لديها علاقات جيدة مع الدول العربيّة، وقال إن الكثير من زعماء الدول العربية يتحدثون مع إسرائيل عن التكنولوجيا وعن أمور يجري الحديث عنها هنا.

وتحدث نتنياهو عن آخر الأوضاع في سورية فقال إن إسرائيل بنت سياجاً حدودياً في منطقة الحدود مع سورية في هضبة الجولان بسبب تنظيم "داعش" وإيران، مشيراً إلى أن هذه الأخيرة حاولت وما تزال تحاول إقامة جبهة إرهاب ضد إسرائيل هناك من خلال وكلائها في المنطقة.
واعترف رئيس الحكومة بأن إسرائيل شنت عشرات الهجمات ضد شحنات أسلحة وهي في طريقها إلى حزب الله في لبنان. وأضاف "أقمنا سياجاً لأننا أدركنا أن هناك مشكلة مع داعش وإيران اللتين تسعيان إلى بناء جبهة إرهابية في المنطقة. وقلت بصراحة لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين: عندما نراهما يقومان بذلك نقوم بعملية عسكرية ضدهما. لقد قمنا بذلك عشرات المرات ولم تحدث أي مواجهة لنا مع روسيا".

ورأى رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن، أن "خطاب بودابست"، الذي دعا الأوروبيين إلى التوقف عن تأييد الفلسطينيين، هو التعبير الأوضح حتى اليوم لوجهة نظر نتنياهو. وأشار إلى أنه في المنتدى نصف المغلق تحرر نتنياهو من العوائق والكلام المنمق الذي يغلف خطاباته الرسمية، كما تخلى عن الحكمة السياسية وأطلق العنان للسانه. وعلى الأقل في الجزء الذي سمعه الصحافيون على ما يبدو عن طريق الخطأ، لم يتحدث نتنياهو عن "السلام" أو عن "رؤيا الدولتين"، بل تحدث عن تعاظم قوة إسرائيل كرافعة للتحالفات مع دول أخرى، وهذه رسالة تكررت في جميع مناسبات ظهوره في العام الأخير. وفي طريقه إلى بودابست، كانت مفاجئة الانتقادات العلنية التي وجهها نتنياهو في باريس إلى إدارة ترامب. فقد اتهم نتنياهو صديقه في البيت الأبيض بأنه عرّض المصالح الأمنية الإسرائيلية للخطر في الاتفاق الأميركي- الروسي لوقف إطلاق النار في جنوب سورية. لقد اعتاد نتنياهو التحدث بهذا الأسلوب عن الرئيس السابق باراك أوباما وعن اتفاقه النووي مع إيران، لكن هل بهذا الأسلوب يتحدث عن الصديق ترامب؟ بعد ثماني سنوات من الخلافات والصدامات مع أوباما كان من المتوقع أن يحل نتنياهو وترامب الخلاف بينهما عبر قنوات هادئة، وألا يكشفا التصدعات في علاقتهما. لكن رئيس الحكومة لم يرتدع، وبالإضافة إلى كلامه المعارض للصفقة التي توصل إليها ترامب، أعرب عن استخفافه الواضح بمبادرة الرئيس الأميركي للسلام.

وتساءل بن: ماذا جرى هنا؟ هل شعر نتنياهو بأن ترامب ضعيف ومعزول ويجد صعوبة في القيام بعمله، والأهم من ذلك أنه لا يسيطر على الكونغرس، معقل الدعم لرئيس حكومة إسرائيل. هذا الأسبوع أفشلت حفنة "متمردين" من الجمهوريين في مجلس الشيوخ قانون ترامب للضمان الصحي، وأبقت إصلاحات قانون الضمان الصحي الذي أنجزه أوباما كما هي. ونتنياهو يفهم في السياسة ويعلم أنه في وضع كهذا ليس لديه ما يخشاه من الإدارة الجديدة، مثلما لم يخف الدخول في مواجهات مع الإدارة التي سبقتها. وهو يفترض أن أغلبية الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب ستحبط أي محاولة من ترامب ليفرض على إسرائيل "صفقة نهائية" مع الفلسطينيين. وبعد بضعة محادثات عقيمة مع الموفدين كوشنير وجيمس غرينبلات، وبعد عرض بضعة أفلام عن التحريض الفلسطيني، ستنضم مبادرة ترامب للسلام إلى كومة خردة من المبادرات التي سبقتها.

وبرأي بن في أساس التحرك الدبلوماسي لنتنياهو يوجد تقدير منه بأن أميركا ضعيفة وتطوي بالتدريج أعلامها في الشرق الأوسط. وزيارة حاملة الطائرات "جورج دبليو بوش" إلى ميناء حيفا بعد توقف طويل عن القيام بمثل هذه الزيارات منذ بداية الانتفاضة الثانية، لا تخفي هذا الاتجاه العام. أسعار النفط رخيصة، والأميركيون لم يعودوا مرتبطين بالتزود بالنفط من الشرق الأوسط. والرأي العام الأميركي الانعزالي يتحفظ تجاه خوض حروب بعيدة عن الوطن. والشرخ الداخلي في أميركا عميق وآخذ في التوسع، ونتنياهو يقف مع الجانب المحافظ، ولا يبذل جهده لإبداء موقف غير منحاز لأي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ربما لم يعد ممكناً الحصول على تأييد عابر للمعسكرين، في وقت يبدو أن الشعب الأميركي منقسم في جميع الأمور والموضوعات، ومن الأفضل الحصول على تأييد الجمهوريين الذين يبدو أن سيطرتهم على الكونغرس لا تتزعزع.

وأضاف بن: يعتبر نتنياهو الطائفة المسيحية قاعدة التأييد الأكثر أهمية لإسرائيل في الولايات المتحدة، وإلى جانبها اليهود الأرثوذكس. وقرارته الأخيرة المحافظة والمعارضة للإصلاحات - إلغاء مشروع إقامة قاعة صلاة لليهود غير الأرثوذكس في ساحة حائط المبكى وقانون التهويد - تعبير عن انفصال استراتيجي عن اليهود الليبراليين في أميركا.

وأكد رئيس تحرير "هآرتس" أن رسالة نتنياهو هي: من يريد تأييد إسرائيل، يجب عليه أن يقبلها كما هي، مع الاحتلال والمستوطنات. ومن يقبل بإسرائيل فقط ضمن حدود الخط الأخضر مثل الاتحاد الأوروبي، فهو "مجنون" وغير مرغوب فيه. وأوروبا الليبرالية المدافعة عن حقوق الإنسان والواعظة الاخلاقية، غارقة تحت ضغط موجات اللاجئين من الشرق الأوسط. ونتنياهو ليس بحاجة إليها، ففي نظره وجد بدائل عنها في روسيا والصين والهند، وبصورة أقل وضوحاً في السعودية ومصر واتحاد الإمارات. في هذه البلدان يحترمون القوة فقط وليس العدالة.