نجحت شابة واحدة، شاركت في الأسبوع الماضي في مجموعة توجيه لـ "الليكود"، في بلبلة أفضل الاستراتيجيين في قيادة مركز الانتخابات الخاص بشارون. وقد روت أنه في العام 1999 صوتت لأيهود براك و"يسرائيل أحات" (تحالف حزب "العمل" وقتها مع "ميماد" و"غيشر"- المحرر). في العام 2001 صوتت لشارون لأن أملها خاب من براك. الآن، في 2003، ما زالت تعتقد أن شارون هو رئيس حكومة جيد، لكنها لا تريد التصويت لـ "الليكود" وإنما لحزب "العمل" لأنها تفضل "أن يكون ‘العمل‘ في ائتلاف شارون وليس ‘الليكود‘". لذلك، فهي مترددة جدًا حول من ستدعم، لأن طريقة الانتخاب بورقة واحدة لا تسمح لها بالتصويت لشارون ولحزب "العمل".


في "الليكود" قدّروا أن هذه الشابة ستصوت في النهاية لـ "شينوي"، أو أنها ستختار البقاء في البيت وعدم التصويت نهائيًا. لا شك في أن هذه الفتاة كانت ستتماثل مع (56%) من أصحاب حق الاقتراع الذين أجابوا في استطلاع ملحق الانتخابات لصحيفة "هآرتس"، الذي أجرته شركة "ديالوغ" بإشراف بروفيسور كميل فوكس، بأن تقديم الانتخابات لم يكن مبررًا. إذا كان بالامكان تأجيل الحسم، فلِمَ لا؟ الجمهور يفهم أنه بعد الانتخابات ستقوم حكومة وحدة بتركيبة مماثلة للتي حُلت في نهاية أكتوبر السنة الماضية على يد بنيامين بن إليعيزر، أو أنه ستقوم حكومة يمين، كان بإمكان شارون أن يقيم مثلها بعد ترك "العمل". إذا كنا سنعود في كل الأحوال إلى ما كان، فلماذا كانت هناك حاجة لكل هذه الضجة؟

إثنان من كل ثلاثة مُستَبيَنين يجيبون بأنهم لا يقدرون عمر الحكومة القادمة بأكثر من سنتين- وهو معدل حياة الحكومات الاسرائيلية منذ 1996. من هؤلاء، يقدر (23%) أن الانتخابات القادمة ستجري بعد سنة، ويقدر (40%) أن هذا سيستغرق سنتين. هذا المعطى يناقض بشكل معين موقف غالبية الجمهور في إسرائيل، الذي سئل عما إذا كانت العودة إلى التصويت بورقة واحدة ستزيد من إستقرار الحكومة أم سيضعفه. (34%) قالوا إن الاقتراع بورقة واحدة سيزيد من إستقرار الحكومة. (17%) قالوا إن الاستقرار سيقل.

هذه البلبلة تتضح أيضًا من سؤال النظام الرئاسي. فعلى الرغم من أن غالبية الجمهور تعتقد بأن إستقرار الحكومة سيزيد، إلا أن (39%) كانوا يرغبون بنظام حكم رئاسي، مماثل لذلك الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد عارض غالبية مصوتي اليمين والمتدينين بالذات الانتقال إلى نظام رئاسي، على الرغم من صبوتهم الطبيعية لـ "رجل قوي" يجلس فوق. وقد يكون مرد هذا ربما إلى أنهم راضون عن أريئيل شارون. وبالذات عند اليسار والعرب هناك دعم كبير (53%) لنظام حكم رئاسي. ربما كانوا يعتقدون بأنهم سيحصلون على كلينتون.

المعطى الذي يثير أكبر قدر من الاهتمام في الاستطلاع، يتطرق إلى ما يريد الجمهور من رئيس الحكومة المنتخب أن يفعله، بعد الانتخابات مباشرةً. (44%) من مجمل الجمهور يريدون أن يكون أول ما يفعله رئيس الحكومة هو تحضير خطة إقتصادية لإعادة تأهيل المرافق الاقتصادية الاسرائيلية. (33%) كانوا يودون بدء مفاوضات مع الفلسطينيين، وفقط (13%) يعتقدون بأن عليه أن يغير قوانين الانتخابات لكبح إفساد الجهاز السياسي.

من هذا المعطى تنبع عدة أسئلة: إذا كان الموضوع الاقتصادي هو بؤبؤ عين الاسرائيلي، إذا كانت الضائقة الاقتصادية، الركود والبطالة هي الأمور الأهم والأكثر إلحاحًا لديه، فلماذا لم نسمع تقريبًا عن هذا الأمر في الانتخابات؟ لماذا هُزم بنيامين نتنياهو أمام شارون، الذي وصلت البطالة والركود في عهده إلى أرقام قياسية، مع أن الأول راهن بقوة على الموضوع الاقتصادي؟ لماذا لم يستخدم حزب "العمل" تقريبًا الموضوع الاقتصادي في المعركة الانتخابية، على الرغم من طلبات أفرهام بايغه شوحط المتكررة؟ لماذا تراوح قائمة "عام إحاد"، التي تتعامل مع هذا الموضوع فقط، حول مقعدين فقط؟ وإذا كان قطع دابر الفساد يشغل (13%) من الجمهور فقط، فكيف حدث أن كل المعركة الانتخابية تمحورت حول هذا الموضوع؟ ولماذا خسر "الليكود" (10) مقاعد خلال شهر، إذا لم يكن الفساد مهمًا؟

معطى آخر، يتعلق بتركيبة الحكومة المستقبلية، له معنى مزدوج: بما يعارض الاستطلاعات السابقة، يتضح أن دعم حكومة وحدة علمانية، من دون المتدينين، انخفض (28%)، وحكومة وحدة موسعة، مع المتدينين، بالذات، تحظى بدعم أكبر بين الجمهور (36%).

في "الليكود" سيدّعون بالتأكيد بأن الأمر يعكس موقف أريئيل شارون، الذي يسعى، بحسب أقواله، لحكومة وحدة بتركيبة مشابهة للتي أقامها بعد انتخابات 2001. في "العمل" سيدّعون بأن التغيير في موقف الجمهور ينبع من نجاح الخط الاعلامي لـ "العمل" والذي يقول إن الوحدة العلمانية موجودة في خيال طومي لبيد فقط.

الفرق بين وضع القيادة في حزب "العمل" وفي "الليكود" ينعكس بقوة في السؤال الذي يتطرق إلى زعامة الحزبين في الانتخابات القادمة. فيما يخص "الليكود" ليس هناك شك: (51%) يرون في بنيامية نتنياهو زعيم "الليكود" القادم. (20%) يؤمنون بأن شارون، في سن 77 أو 79 سيتنافس مجددًا- وسينتصر. شاؤول موفاز، الذي لم يصبح ليكوديًا بعد، يحظى بـ (9%) فقط.

في "العمل" يبرز ضعف القيادة المستقبلية. (24%) يقدّرون أن متسناع سيُنتخب ثانيةً –هل بسبب أفضلياته أم بسبب ضعف منافسيه؟- أيهود براك يحظى بـ (10%) فقط. حاييم رامون بالذات في المكان الثالث بواقع (8%). شمعون بيرس، المرشح الذي يجلب أكبر عدد من المقاعد في الاستطلاعات، في كل الاستطلاعات، وصل إلى مكان متأخر جدًا، على الرغم من أنه سيكون في الانتخابات القادمة، في الـ 82 أو 84 من عمره، كأقصى حد.

قضايا الفساد، الشعور بأن هذه الانتخابات زائدة، التقدير أن كل ما كان هو ما سيكون وعدم الاهتمام العام الذي يتعامل به الجمهور مع ما يحدث، ساهمت كلها بالتأكيد في الثقة المنخفضة التي يتعامل بها الجمهور مع الجهاز السياسي. (65%)، ثلثا الجمهور، لا يملكون ثقة تجاه الجهاز السياسي. (9%) فقط يملكون تجاهها ثقة عالية. ومن غير المفاجئ، الثقة الأكبر في هذه الانتخابات يملكها مصوتو اليمين والمتدينون، أصحاب هذه الحكومة.

مستوى مشابه من الثقة والتقدير موجود عند الجمهور، تجاه الدعايات الانتخابية، والتي يبدو أنها لم تتدهور في السابق إلى مثل هذا المستوى من الملل والضحالة. (77%) من المصوتين يدعون بأن الدعايات، التي شكلت وتشكل مصدر رزق جميلا جدًا كل سنتين، لسلسلة طويلة من مكاتب الاعلان، المخرجين وكاتبي السيناريو، لم تحظَ بأي نصيب من قراراتهم في التصويت. ليس أن هذا المعطى سيفاجئ كل الضالعين في الموضوع. في بداية المعركة الانتخابية نُشر بحث فحص نسب المشاهدة للدعايات الانتخابية في انتخابات 2001 و1999. من هذا البحث اتضح أن معدل مشاهدة الدعايات كان (6-7) بالمئة، ما عدا في المساء الأول وفي المساء الأخير، حيث ارتفعت نسب المشاهدة عن ذلك. إذا كان التأثير قليلاً إلى هذا الحد، والتكاليف عالية جدًا، فمن الأفضل للأحزاب أن تفكر في التنازل مطلقًا عن الدعايات المتلفزة في المعارك الانتخابية القادمة.

(يوسي فرتر، "هآرتس"، 23 كانون الثاني)

ترجمة: "مدار"