المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شهد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في مدينة القدس العربية المحتلة ازدهارا واسعا جدا خلال ولايات رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، وتحديدا خلال السنوات السبع الأخيرة، بين 2009 و 2016، إذ ازداد عدد المستوطنين في القدس وأحيائها بنحو 70% في الفترة المذكورة، بينما ازدادت مساحة الأراضي الفلسطينية التي أقيمت عليها مستوطنات جديدة بنحو 60%، وخاصة في الشيخ جراح وبطن الهوى (في سلوان).

 

هذا ما كشفت عنه، للمرة الأولى، معطيات نشرتها حركة "سلام الآن" وجمعية "عير عميم" (المتخصصة في شؤون القدس واسمها الكامل هو: "جمعية عير عميم للاستقرار، المساواة والمستقبل السياسي المتفق عليه في القدس") ضمن تقرير خاص تحت عنوان "ضربة في البطن ـ عن دور الدولة في الاستيطان في بطن الهوى في سلوان".

ويكشف التقرير الأساليب والطرق المختلفة التي تستخدمها منظمات المستوطنين، بمساعدة ورعاية الوصي العام على الأملاك ومسجّل الأوقاف (وكلاهما موظفان كبيران رسميان في وزارة العدل الإسرائيلية)، من أجل إخلاء العائلات الفلسطينية في القدس وأحيائها المختلفة من بيوتها وطردها منها من أجل وضعها تحت تصرف المستوطنين.

وبينت المعطيات أن عدد الوحدات السكنية الاستيطانية التي يمتلكها المستوطنون في القدس وأحيائها ازدادت بنسبة ضعفين خلال الفترة المذكورة وارتفعت التكلفة المالية لتوفير إجراءات الحماية والحراسة للمستوطنين في القدس وضواحيها بنسبة 119%، بينما تم إخلاء/طرد وتهجير 60 عائلة فلسطينية من بيوتها في القدس الشرقية، 55 منها خلال العامين الأخيرين فقط.

وكشفت المعطيات أن عدد التجمعات الاستيطانية في القدس حتى العام 2009 بلغ 102 تجمع استيطاني وكان يسكنها 2,000 مستوطن، بينما منذ انتخاب نتنياهو في سنة 2009 وحتى منتصف 2016 أضيف إلى هذه التجمعات 40 تجمعاً إضافيا جديدا، أي بزيادة نسبتها 39%، يسكن فيها 778 مستوطناً جديدا. من بين هذه التجمعات: 31 تجمعاً في مواقع تاريخية، 4 في البلدة القديمة، 5 في مواقع أخرى في قلب الأحياء الفلسطينية في المدينة.

ويعتبر تقرير "سلام الآن" و"عير عميم" أن هذه المعطيات، وغيرها الكثير، تعكس "عملية الاقتلاع الكبرى التي يتعرض لها السكان (الفلسطينيون) في قلب سلوان، وخاصة في حي بطن الهوى، خلال السنوات الأخيرة".

بطن الهوى... إرهاب استيطاني، بغطاء قانوني
يركز التقرير على حي بطن الهوى في بلدة سلوان، وهو الحي الذي يتعرض لأوسع وأبشع عملية اقتلاع وترحيل، ثم إحلال استيطاني، نظرا لقربه الجغرافي من الحرم القدسي الشريف ("جبل الهيكل"). يبلغ تعداد سكان هذا الحي نحو 1,000 مواطن ويتميز بالكثافة السكانية المرتفعة جدا وبوضعه الاقتصادي ـ الاجتماعي المتردي جدا، مما يجعله إحدى النقاط الأكثر ضعفا وحساسية وقابلية للانفجار في القدس المحتلة.

منذ العام 2001 تنشط في حي بطن الهوى جمعية "عطيرت كوهَنيم" الاستيطانية التي تسعى إلى تحويل بطن الهوى إلى مستوطنة واسعة يسيطر عليها مستوطنون يهود. وفي سنة 2004، دخل مستوطنون مقربون من هذه الجمعية الاستيطانية إلى الحي واستولوا على بنايتين فيه، كان "اشتراهما" لهم شخص فلسطيني. إحدى هاتين البنايتين أطلق عليها اسم "بيت يهونتان" مؤلفة من 6 طوابق، والأخرى أطلق عليها اسم "بيت العسل"، على بعد 100 متر عن الأولى، وهي بناية صغيرة فيها شقة سكنية واحدة.

ومنذ ذلك الوقت، وخلال عقد من الزمن، كانت المستوطنة في قلب حي بطن الهوى مكونة من هاتين البنايتين فقط، وفيهما بالإجمال 7 – 8 شقق سكنية.

أما الوسيلة المركزية التي تستخدمها عصابات المستوطنين والسلطات الرسمية الداعمة لها لتنفيذ وتوسيع المشروع الاستيطاني في قلب هذا الحي، في بلدة سلوان، فهي تقديم دعاوى قضائية لرفع اليد والإخلاء ضد العائلات الفلسطينية التي تسكن في بطن الهوى منذ عشرات السنين على أراض تدّعي هذه العصابات والسلطات الرسمية الواقفة خلفها بأنها "أراض وقفية يهودية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين"!! والحديث هنا عن مساحة تشمل 5,2 دونمات تسكن عليها اليوم نحو 90 عائلة فلسطينية.

طبقا للقانون الإسرائيلي، الأراضي التي كانت تابعة لأوقاف يهودية قبل العام 1948 وُضعت ضمن مسؤولية الوصيّ العام على الأملاك، تحت تصرفه وإدارته. وفي العام 2001، تم ـ بمصادقة مسجل الأوقاف الرسمي ـ تعيين مقربين من عصابة "عطيرت كوهنيم" أمناء لهذا الوقف، فسارع الوصي العام على الأملاك إلى نقل تلك المساحة من الأرض إلى أيدي الوقف. وفي العام 2002، تقدم "أمناء الوقف"، بصفتهم الرسمية هذه، بدعوى رفع اليد والإخلاء ضد العائلات الفلسطينية التي تسكن هناك.

حتى أيار 2016، يسكن المستوطنون في 28 منزلا فلسطينيا في حي بطن الهوى، بينما هنالك 12 دعوى قضائية لرفع اليد والإخلاء ما زالت قيد المداولات القضائية في المحاكم الإسرائيلية ضد 51 عائلة فلسطينية أخرى قد تفقد بيوتها ويتم طرها منها "بقرار قضائي"!!

في موازاة ذلك، اعتمدت "عطيرت كوهنيم" وسيلتين أخريين هما: الأولى، قام "أمناء الوقف" التابعون لهذه العصابة ـ وبمساعدة الوصي العام على الأملاك ـ "بشراء" مساحات أخرى من الأرض في حي بطن الهوى كانت تحت تصرف الوصي العام وإدارته؛ والثانية ـ قام هؤلاء "بشراء" أراض من اصحابها الفلسطينيين سكان الحي، مستخدمين طرق الخداع وأساليب التخويف.

ويؤكد التقرير أن هذه العمليات تجري تحت حماية الشرطة، التي تستخدم العنف الشديد ضد الفلسطينيين في القدس وأحيائها (بما في ذلك: استخدام الغاز المسيل للدموع، القنابل الصوتية، الاعتقالات وإطلاق الرصاص الحي)، وبدعم مباشر من وزارة الإسكان (ووزيرها يوءاف غالانت من حزب "كولانا" برئاسة موشيه كحلون) وسياسيين إسرائيليين كثيرين، من بينهم وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان (ليكود)، وزير الزراعة أوري أريئيل (البيت اليهودي) ونائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيللي (ليكود).

وحيال ذلك، قد يبلغ عدد العائلات الفلسطينية التي ربما تفقد بيوتها في الحي وتضطر إلى الرحيل عنه أكثر من 100 عائلة. ويقول تقرير "سلام الآن" و"عير عميم": "إذا ما تحققت خطط المستوطنين هذه، فقد يصبح حي بطن الهوى في سلوان التجمع الاستيطاني الأكبر في قلب حي فلسطيني في محيط مدينة القدس. مثل هذا التجمع سيحكم الخناق، بصورة شديدة جدا، على البلدة القديمة في القدس، وسط تقليص إضافي في إمكانية تقسيم مدينة القدس مستقبلاً إلى عاصمتين، كما يشكل ضربة قاصمة أخرى لحل الدولتين".

تهجير واستيطان في "الحوض المقدس"
يتضح من معطيات التقرير أن منطقة "الحوض المقدس" (أو "الحوض التاريخي") في مدينة القدس هو المنطقة التي تجري فيها أكثر العمليات الاستيطانية كثافة، وخصوصا منذ بدء الولاية الثانية من رئاسة نتنياهو للحكومة الإسرائيلية في العام 2009. فابتداء من العام المذكور، ازداد عدد الوحدات السكنية التي يمتلكها ويسكن فيها المستوطنون في منطقة "الحوض المقدس" بنحو ضعفيّ ما كان عليه من قبل، كما ازداد عدد المستوطنين هناك بنسبة 70%، مقابل إخلاء/طرد وتهجير 60 عائلة فلسطينية في الشيخ جراح، سلوان (وادي حلوة وبطن الهوى)، إلى جانب إخلاء وطرد 8 عائلات إضافية أخرى في الحي الإسلامي في البلدة القديمة في القدس.

من بين عمليات الطرد والتهجير الـ 68 المذكورة، 55 جرت خلال السنتين الأخيرتين فقط. وإضافة إلى ذلك، تعيش 300 عائلة فلسطينية في منطقة الحوض المتوسط، حتى الآن، تحت سيف الإخلاء والطرد، الأغلبية الساحقة منها (51 عائلة) في حي بطن الهوى.

وتبين المعطيات أيضا أنه بينما ازداد عدد المستوطنين في القدس الشرقية منذ العام 2009 بنسبة 39%، ازدادت الميزانية المخصصة لحمايتهم وحراستهم من قبل وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية من 37,640,000 شيكل في سنة 2009 إلى 82,339,000 شيكل في منتصف 2016، أي بزيادة نسبتها 119%.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات