المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اتخذت المعركة حول "قانون التسوية"، في اليومين الأخيرين، منحى الصراع السياسي ـ الحزبي الواضح بين حزب "البيت اليهودي"، من جهة، وبين حزب "الليكود" ورئيسه، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وخاصة في أعقاب "إخلاء عمونه" الأسبوع الماضي وعلى خلفية ما تعرض حزب "البيت الهودي" ورؤساؤه، بشكل خاص، من هجوم حاد ولاذع من قبل المستوطنين الذين اتهموا هذا الحزب وقادته بالعجز وبنكث وعودهم وتعهداتهم بمنع إخلاء هذه البؤرة الاستيطانية، وهو ما قد يشكل مقدمة لتوجيه ضربة قاسية لهذا الحزب بين جمهور مصوتيه الأساسيين في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

فعلى هذه الخلفية، تصدى رئيس "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، بالرفض لطلب رئيس الحكومة، نتنياهو، تأجيل عرض مشروع "قانون التسوية" على الكنيست للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة لإقراره نهائيا، إلى ما بعد عودته من زيارته الرسمية إلى العاصمة البريطانية، لندن.

فقد طلب نتنياهو، في الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية، الأحد، تأجيل التصويت على مشروع القانون إلى ما بعد عودته من لندن واجتماعه مع رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، ووزير خارجيتها، بوريس جونسون، موضحاً أنه سيبحث معهما "توثيق العلاقات السياسية، الأمنية، الاقتصادية والتكنولوجية" وملمحاً إلى أن إقرار هذا القانون في هذه الأثناء قد يجهض مساعيه هذه ويعود بأضرار جسيمة على إسرائيل، وخاصة على خلفية تصويت بريطانيا إلى جانب قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2334 الذي اعتبر المستوطنات غير شرعية وعائقا أمام تحقيق السلام في المنطقة.

لكن بينيت تصدى لهذا الطلب بالرفض والتهديد بأزمة ائتلافية إذا لم يُعرض مشروع القانون على الكنيست للتصويت. ثم عادت وزيرة العدل، أييلت شاكيد (البيت اليهودي)، وأكدت موقف رئيس حزبها، بينيت، وقالت إنها "لا تفهم لماذا يجب التنسيق مع أية حكومة أجنبية حول أي تشريع إسرائيلي داخلي". وأعلنت شاكيد أن مشروع القانون سيُطرح للتصويت "طبقا لما قررته إدارة الائتلاف الحكومي في الأسبوع الماضي".

ورد نتنياهو على تهديدات "البيت اليهودي" وبينيت قبيل صعوده إلى الطائرة متوجها إلى لندن مساء أمس الأول، فقال: "أسمع كل الوقت تهديدات مزيفة، لكنني لا أعيرها أي اهتمام"! واتهم نتنياهو بينيت وحزبه بـ"الانشغال بإصدار بيانات للصحافة وبالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أنشغل أنا بإدارة شؤون الدولة، من خلال الحرص على المصالح العامة لدولة إسرائيل".

وسواء نفذ بينيت وشاكيد تهديدهما بعرض القانون على الكنيست للتصويت في غياب نتنياهو وضد إرادته أم لا، إلا أن الواضح تماماً هو أن هذا القانون يثير إشكاليات سياسية ـ حزبية عديدة، داخلية محلية وخارجية دولية، وأكثر منها قضائية على صعيد القانون الدولي. بيد أن عدم إقراره حتى الآن لا يضع أية عقبة، ولو عثرة صغيرة، أمام استمرار البناء الاستيطاني، بل اتساعه يومياً، على الأراضي الفلسطينية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وهو ما تجسد أخيراً في قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، المصادقة على بناء نحو 6 آلاف وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنات مختلفة.

وكان الكنيست قد أقر مشروع "قانون التسوية" بالقراءة التمهيدية يوم 14 تشرين الثاني الأخير، ثم أقرّه بالقراءة الأولى يوم 7 كانون الأول الماضي.

إشكاليات قانونية محلية ودولية

ويثير مشروع "قانون التسوية"، كما ذكرنا، إشكاليات قانونية ـ قضائية معقدة وخطيرة، على المستويين المحلي والدولي، اضطرت المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، إلى الإعلان، مراراً وتكراراً (كان آخرها مساء أمس الأول)، أنه لن يستطيع الدفاع عن هذا القانون ـ في حال سنّه ـ أمام المحكمة العليا الإسرائيلية في حال تقديم التماس/ات إليها للطعن في دستورية هذا القانون والمطالبة بإلغائه، وهو ما لا بد من أن يحدث، في حكم المؤكد تقريباً. وأكد مندلبليت، المعروف بأنه خبير في القانون الدولي، أنه لن يدافع عن هذا القانون، نيابة عن الدولة (الحكومة) وباسمها، لأنه "قانون غير دستوري وينطوي على انتهاكات فاضحة للقوانين الدولية"!

ولئن كان "الدافع المباشر" لهذا القانون الجديد هو قرار المحكمة العليا في قضية مستوطنة "عمونه"، إلا أنه يرمي إلى شرعنة الاستيطان في بؤر استيطانية أخرى عديدة في الضفة الغربية تُعتبر في القاموس الإسرائيلي "غير قانونية"، أقيمت جميعها على "أراض فلسطينية خاصة" وبدون قرار حكومي، بحيث ينظم ويشرعن البؤر الاستيطانية "غير القانونية" الأخرى، من الآن فصاعدا بأثر مستقبلي.

والمعنى، أن الحديث لا يجري هنا عن قانون يلتف على المحكمة العليا وقراراتها، بأن يطرح الكنيست من خلاله تفسيراً آخر، مغايرا، يختلف عن تفسير المحكمة العليا ويعتبر أن تفسير المحكمة لنص قانوني معين "ينبغي أن يتم تغييره"، وإنما هو قانون يضع الكنيست فيه نفسه هيئة استئنافية عليا على قرارات قضائية صادرة عن المحكمة العليا. ولهذا، فمشروع القانون الجديد يتناقض مع مبدأ فصل السلطات ويشكل مساً عميقا وخطيرا بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظومة السياسية والقضائية في إسرائيل، كما أكد عدد من الخبراء القانونيين الإسرائيليين.

وذهب بعض الخبراء القانونيين حد القول إن "قانون التسوية" هذا ـ في حال تشريعه ـ سوف يؤدي، مستقبلا، إلى تغيير "قواعد اللعبة" في ثلاث قضايا جوهرية ومركزية هي: 1. سلب الممتلكات الخاصة والاستيلاء عليها بالقوة وبطريقة غير قانونية (ليس في الضفة الغربية فقط، وإنما في داخل إسرائيل نفسها أيضا)؛ 2. فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية، من خلال تشريع قانوني يقره الكنيست بما يتناقض، جوهريا، مع القانون الدولي وأحكامه؛ 3. تشريع استثنائي وشاذ تماما يلغي قرارات حكم قضائية نهائية صادرة عن المحكمة.

ووصف الخبراء توقيت طرح مشروع القانون بأنه "تعيس جدا"! على خلفية مصادقة المدعية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مطلع العام الأخير، على عضوية "دولة فلسطين" في هذه المحكمة، وهو ما يخول الادعاء في المحكمة صلاحية التحقيق في شكاوى تتعلق بممارسات إسرائيل في الضفة الغربية. وأضافوا: "لا حاجة إلى كلام كبير وكثير حول الضرر الذي سيلحق بصورة دولة إسرائيل وعلاقاتها مع دول أخرى، إذا ما قررت المحكمة الجنائية الدولية الشروع في إجراء تحقيق جنائي وتقديم الإسرائيليين الضالعين في مشروع الاستيطان إلى محاكمات جنائية. ذلك أن البند الصريح الوارد في نص مشروع القانون والذي يعتبره خطوة داعمة لاستمرار الاستيطان قد يتم تفسيره بأنه استفزاز وتحد للمجتمع الدولي عامة، وللمحكمة الجنائية الدولية خاصة، ولهذا فهو عديم المسؤولية تماما في هذا التوقيت"!

إشكاليات سياسية وصراع يميني ـ يميني

ثمة من يرجح في إسرائيل بأن نتنياهو يدفع نحو سن هذا القانون، ولو مضطراً مرغماً نتيجة الضغوط الحزبية التي يمارسها عليه اليمين المتدين ومستوطنوه (من خلال حزب "البيت اليهودي") ويفعل ذلك وهو موقن، بل يتمنى، بأن تقوم المحكمة بإلغاء هذا القانون إذا ما تم تشريعه، بما يجنّبه ويجنب حكومته (ودولة إسرائيل، بالتالي) ورطة قانونية ـ قضائية دولية، تتبعها ورطة سياسية دبلوماسية دولية، من جهة، ومن جهة أخرى يمنحه نقاطاً ثمينة في معركته (الحزبية ـ الانتخابية) ضد "البيت اليهودي" وغيره من أحزاب اليمين المتدين الاستيطاني. ذلك أن نتنياهو سيدّعي، عندئذ، بأن تلك الأحزاب قد "ألحقت ضررا كبيرا بالاستيطان والمستوطنين" وسيتهمها بالمسؤولية عن كل ما يمكن أن يتطور على هذا الموضوع، قضائيا أو سياسيا ـ دبلوماسيا.

وكان نتنياهو قد حذر، في جلسة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية يوم 27 تشرين الثاني الماضي، وبناء على الرأي الاستشاري الذي قدمه المستشار القانوني للحكومة، بأن سنّ "قانون التسوية" قد يؤدي إلى "سلسلة من التحقيقات الجنائية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ضد مسؤولين كبار في حكومة إسرائيل"! ولهذا اعتبر نتنياهو في تلك الجلسة نفسها أن سن هذا القانون "هو خطوة غير حكيمة، بالمرّة"!

وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه، أيضا، وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن أنه يعارض مشروع القانون "لكن، إذا ما طُرح للتصويت في الكنيست، فسنصّوت عليه"! لأن معارضة القانون في الكنيست ستجر عليه وعلى حزبه، بالتأكيد، حرباً ضروساً من جانب المستوطنين وهيئاتهم القيادية، وهو ثمن لا يستطيع ليبرمان (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا") تحمّله ولا يمكن أن يسمح لنفسه بخوض مثل هذه المخاطرة.

لكنّ نتنياهو وليبرمان ـ كما آخرين أيضا من قادة أحزاب اليمين، بل وحتى أحزاب "الوسط" في إسرائيل ـ يقفان عاجزين ويبدوان مجرورين خلف الإيقاع الذي يقرره حزب "البيت اليهودي" ورئيسه، الوزير نفتالي بينيت، كممثل أساسي للمستوطنين الذين ينتمون في أغلبيتهم الساحقة إلى تيار "الديني الوطني"، وخاصة على خلفية التحقيقات الجنائية الجارية والمتصاعدة مع رئيس الحكومة، نتنياهو، والتي ترفع كثيراً من احتمال حل الحكومة والكنيست وتبكير موعد الانتخابات البرلمانية التالية في إسرائيل.

شرعنة آلاف المباني القائمة وبناء آلاف جديدة

من المعروف أن "قانون التسوية" لا يبتغي حل مشكلة بؤرة "عمونه" الاستيطانية "غير القانونية"، كما أشرنا أعلاه، وإنما شرعنة آلاف المباني والبؤر الاستيطانية "غير القانونية" القائمة على أراض فلسطينية منهوبة في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، وذلك بأثر رجعي.

وينص مشروع القانون، في صيغته النهائية، على تجميد إجراءات تطبيق القانون والأوامر الإدارية الصادرة بحق 16 مستوطنة وبؤرة استيطانية "غير قانونية" لفترة سنة كاملة منذ يوم نشر القانون في الجريدة الرسمية ودخوله حيز التنفيذ، على أن تقوم سلطات الاحتلال (من خلال "الإدارة المدنية") خلال هذه الفترة (السنة) بفحص إمكانيات مصادرة الأراضي المقامة عليها تلك المستوطنات والبؤر، بأثر رجعي.

والمباني الاستيطانية التي يقصدها هذا النص القانوني تقوم في المستوطنات والبؤر التالية: عوفرا، عيلي، نتيف هأفوت، كوخاف هشاحر، متسبيه كرَميم، ألون موريه، معاليه مخماش، شافي شومرون، كدوميم، بساجوت، بيت إيل، يتسهار، هار براخا، موديعين عيليت، نوكديم وكوخاف يعقوب.

وإلى جانب هذه كلها، يخوّل القانون وزيرة العدل أييلت شاكيد (البيت اليهودي) صلاحية إصدار أوامر خاصة تضيف بموجبها مستوطنات وبؤرا استيطانية أخرى إلى تلك المذكورة أعلاه، على أن يتم الأمر بمصادقة لجنة الدستور، القانون والقضاء البرلمانية (التي يتمتع الائتلاف الحكومي فيها بأغلبية ساحقة!).

ولا يتوقف الأمر عند شرعنة القائم من المباني الاستيطانية، المستوطنات والبؤر الاستيطانية "غير القانونية" فحسب، بل أيضا يتواصل البناء الاستيطاني ويتوسع يومياً. فقد أصدر رئيس الحكومة، نتنياهو، ووزير الدفاع، ليبرمان، مؤخرا، قرارات تصادق على بناء نحو 6 آلاف وحدة سكنية استيطانية جديدة في الضفة الغربية وذلك "لتلبية احتياجات التكاثر الطبيعي" بين المستوطنين هناك، حسبما ورد في بيان رسمي صدر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وإلى جانب هذا، أقرت السلطات الإسرائيلية أيضا بناء 671 وحدة سكنية استيطانية جديدة في منطقة القدس الشرقية.

وقال رئيس الحكومة، نتنياهو، في إثر قراراته وليبرمان الأخيرة: "نحن نبني وسنواصل البناء"! أما ليبرمان فقال: "نحن نعود الآن إلى الحياة الطبيعية في يهودا والسامرة" (الضفة الغربية).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات